هو الأمر ، بأن يقول له : كن ، ولا يدل على ما عداه من الحوادث.
وبعد ، فإن الظاهر يدل على أنه يقول له : كن ، وقد قضاه ، فلا يدل على أنه يصير خالقا بقوله : ( كن ) وذلك يمنع من تعلقهم به (1)، بل يوجب تناقض الكلام ؛ لأن أوله يدل على أنه قد تقدم قضاؤه له ، وآخره يدل على أنه لا يكون إلا بعد أمر آخر.
وبعد ، فإن الظاهر يدل على أن ( كن ) التى هى الكاف والنون ، والكاف فيها متقدمة للنون ، فالنون فيها حادثة بعد الكاف ، هو الذى تكون به الأشياء ، فيجب أن يكون ما هذا صورته قديما. وهذا يوجب كونه قديما محدثا ؛ لأن توالى حدوث هذين الحرفين على ما بيناه يوجب حدوثهما ، وما ذكره يوجب قدمهما ، وهذا محال.
ويوجب الاستحالة من وجه آخر : وهو أن النون إنما تتصل بالكاف على وجه يكون النطق به قولنا « كن ) بأن يحدث بعده ، لأنهما لو حدثا معا ، لم يكن بأن يقول : « كن ) أولى من أن يقول : نك ، وهذا يوجب كون النون حادثة ، فإن حدثت الكاف (2) وحدها فقد تركوا الظاهر ، وإن حدث يكن آخر ، فالقول فيه وفى نونه كالقول فى هذا ، وذلك يلزمهم ما لا نهاية له. وإن قالوا : هى حادثة لا بشيء (3)، فقد تركوا الظاهر. وكل هذا يبين جهل القوم فى تعلقهم بذلك وأمثاله.
وإنما أراد تعالى بهذا الكلام أن يبين أنه فى باب الاقتدار واستحالة المنع عليه ، بخلاف سائر القادرين الذين يحتاجون إلى زمان فى الأفعال ويصح
صفحة ١٠٧