في الفراش المجاور لفراش جوسلين كانت هناك امرأة تصف ترتيب خزانة مطبخها لأخريات، ولم تكد تنسى أن تخبرهن أين تحتفظ بشيء ما - كالأرز أو السكر البني - إلا وكانت تضطر لإعادة الكرة من جديد، وتتأكد من أن من يستمعون إليها يتابعونها جيدا بقول: «تذكرن على الرف الأعلى إلى اليمين بجوار الموقد أحتفظ بعلب الحساء وليس الحساء المعلب؛ فأنا أحتفظ بالحساء المعلب أسفل المنضدة مع السلع المعلبة بجوار ذلك ال...»
كانت النساء الأخريات يحاولن مقاطعتها لكي يصفن كيف يحتفظن بالأشياء، ولكن دون جدوى، أو لم يستطعن مواصلة الحديث طويلا. كانت جوسلين جالسة تقرأ وتعبث بطرف إحدى جدائلها بين أصابعها وكأنها جالسة في مكتبة داخل الكلية، أو تعد ورقة بحثية، ولم يستطع عالم هؤلاء النساء أن يوقفها بتاتا. وكانت روز تتمنى لو تمكنت من ذلك هي الأخرى.
كانت لا تزال تعاني من الدوار من أثر الوضع، وكلما أغلقت عينيها كانت ترى شيئا أشبه بالكسوف في شكل كرة كبيرة سوداء يحيط بها حلقة من النار. كان ذلك هو رأس الطفل يعتصره الألم في اللحظة التي سبقت دفعها له إلى خارج أحشائها. ووسط هذه الصورة، تداخلت كلمات أرفف مطابخ النساء الثرثارات أسفل الثقل الرهيب للعلب والصناديق، ولكنها كانت تستطيع أن تفتح عينيها لترى جوسلين وجدائلها السوداء تنسدل على رداء المستشفى الأبيض وكأنها صورة بالأبيض والأسود. كانت جوسلين هي الشخص الوحيد الذي رأته يبدو هادئا وجادا بما يكفي لمواكبة الموقف.
سرعان ما نهضت جوسلين من فراشها لتكشف عن ساقين طويلتين بيضاوين غير حليقتين، وبطن لا تزال مترهلة من أثر الحمل. ارتدت روبا للحمام مخططا، وبدلا من استعمال رباط له استعانت برابطة عنق رجالية لتحكمه حول خصرها، وراحت تدب بقدميها الحافيتين على مشمع أرضية المستشفى. فجاءتها إحدى الممرضات مسرعة منبهة إياها أن ترتدي خفا. «ليس معي خف.»
فقالت الممرضة بفظاظة: «أمعك حذاء؟» «آه نعم، معي حذاء.»
وعادت جوسلين إلى الخزانة المعدنية الصغيرة بجوار فراشها وأخرجت حذاء جلديا كبيرا بلا كعب كان متسخا وباليا، ومشت محدثة نفس الضوضاء الشنيعة الوقحة كما فعلت من قبل.
كانت روز تتوق للتعرف عليها.
في اليوم التالي أخرجت روز كتابها الخاص لتقرأه. كان رواية «البيوريتاني الأخير» للكاتب جورج سانتايانا، ولكن لسوء الحظ كانت نسخة مكتبية، فكان العنوان على الغلاف ممسوحا وباهتا؛ ومن ثم كان مستحيلا أن تعجب جوسلين بما تقرؤه روز مثلما أعجبت روز بما تقرؤه جوسلين. ولم تعلم روز كيف يمكنها أن تدفعها للحديث معها.
كانت السيدة التي تتحدث عن خزانات مطبخها تتحدث الآن عن كيفية استخدامها للمكنسة الكهربائية، وتقول إن من المهم للغاية استخدام جميع الملحقات؛ لأن لكل منها غرضا، كما أنه يكفي أنها قد دفعت مقابلها، ولكن العديد من الناس لا يستخدمونها. وراحت تصف كيف تنظف ستائر غرفة معيشتها، فقالت امرأة أخرى إنها قد حاولت القيام بذلك ولكن القماش كان يتجعد. فقالت السيدة المتسلطة إن ذلك بسبب أنها لم تقم بالأمر بالشكل الصحيح.
في تلك الأثناء ضبطت روز عيني جوسلين تنظران صوب زاوية كتابها.
صفحة غير معروفة