روت فلو أيضا أنه في المكان الذي عاشت فيه عندما كانت فتاة صغيرة، كانت هناك سيدة اشتهرت ببصيرتها الخارقة، حتى إن أعدادا كبيرة من العربات التي تجرها الخيول، ومن بعدها السيارات، كانت تصطف أمام منزلها حتى نهاية الزقاق في أيام الآحاد؛ إذ كان يوم الأحد هو اليوم الذي يأتي فيه الناس من مسافات بعيدة لاستشارتها، وأغلب استشاراتهم كانت عن أشياء فقدوها.
سألها والد روز: «ألم يرغب أي منهم في التواصل مع ذويه؟» مشجعا إياها على مواصلة الحديث كعادته دوما عند روايتها أية قصة، واستطرد قائلا: «أظن أنه كان بإمكانها الاتصال بالأشخاص المتوفين.» «حسنا، كان أغلب الناس قد نالوا كفايتهم من أقاربهم وهم أحياء.»
واقتصرت الأمور التي شغلت اهتمامهم على الخواتم والوصايا والمواشي، ومعرفة أماكن اختفاء هذه الأشياء. «ذهب إليها أحد الأشخاص ممن أعرفهم، وقد فقد محفظته. كان ذلك الرجل يعمل في السكك الحديدية. قالت له المرأة: «حسنا، هل تتذكر ما فعلته منذ نحو أسبوع عندما كنت تعمل على أحد خطوط السكك الحديدية، ومررت بالقرب من أحد البساتين، فأردت التقاط إحدى ثمار التفاح، وقفزت فوق السور للحصول عليها؟ لقد سقطت منك المحفظة هناك بين الحشائش الطويلة، لكن كلبا مر عليها والتقطها، ثم أسقطها بعيدا بمحاذاة السور. يمكنك العثور عليها هناك.» كان الرجل قد نسي كل شيء عن البستان وتسلقه السور، وأصيب بالذهول لما سمعه منها، ومنحها دولارا، وذهب إلى حيث أرشدته، ووجد محفظته في المكان الذي وصفته بالضبط. حدث ذلك بالفعل، فأنا أعرف ذلك الرجل، لكن المال كان قد تمزق كله بمضغ الكلب له، وعندما اكتشف الرجل ذلك، غضب للغاية وتمنى لو أنه لم يمنحها كل هذا المبلغ من المال!»
قال والد روز: «لم تذهبي إليها قط، أليس كذلك؟ فأنت لا تؤمنين بمثل هذه الأمور.» عندما كان يتحدث مع فلو، كان يستخدم عادة عبارات ريفية، فضلا عن اتباعه أسلوب الإزعاج الذي اتبعه الريفيون بقولهم عكس ما كان صحيحا، أو ما يعتقد أنه صحيح.
أجابت فلو: «لا، لم أذهب إليها قط في الحقيقة لأسألها عن أي شيء، لكنني زرتها في إحدى المرات؛ إذ توجب علي إحضار بعض البصل الأخضر منها. كانت والدتي مريضة وتعاني من أعصابها، فأرسلت إلينا تلك المرأة رسالة تخبرنا فيها بأن لديها بعض البصل الأخضر المفيد للأعصاب. كان ما تعاني منه والدتي حقا هو السرطان، وليس الأعصاب؛ لذا لا أعلم ما قدمه لها البصل من فائدة.»
علا صوت فلو، وأسرعت في حديثها، خجلا من إفصاحها عن ذلك. «لذا، اضطررت للذهاب إليها، والحصول على البصل. كانت قد التقطت الثمار وغسلتها، وحزمتها من أجلي، لكنها طلبت مني عدم المغادرة قبل الدخول إلى المطبخ لرؤية ما أعدته لي. لم أكن أعلم ما تريدني أن أراه، ولم أكن أريد الدخول؛ فكنت أظنها ساحرة، كنا جميعا في المدرسة نظن ذلك؛ لذا جلست في المطبخ، وذهبت هي إلى حجرة المؤن، وجلبت كعكة شوكولاتة كبيرة، وقطعت منها شريحة، ومنحتني إياها. كان علي الجلوس وتناولها، وجلست هي تشاهدني أثناء تناولي للكعكة. كل ما يمكنني تذكره منها هو يداها؛ كانتا يدين ضخمتين حمراوين تبرز فيهما عروق كبيرة، وكانت لا تكف عن وضعهما في حجرها واعتصارهما. أخذت أفكر كثيرا بعد ذلك في أنها بحاجة لتناول البصل الأخضر؛ إذ لم تكن أعصابها في حالة جيدة أيضا.
شعرت حينذاك بطعم غريب في الكعكة، لكنني لم أكف عن تناولها حتى انتهيت منها كلها، وشكرت السيدة، وأخبرتها أنني راحلة. قطعت ممر المنزل سيرا لأنني استنتجت أنها تراقبني، وعندما وصلت إلى الطريق، رحت أركض، لكنني ظللت خائفة من أنها ربما كانت تتبعني، بصورة غير مرئية أو شيء من هذا القبيل، أو أنها تستطيع قراءة ما يدور في ذهني، وتخيلت أنها ستمسك بي وتحطم رأسي على حصى الطريق. عندما عدت إلى المنزل، دفعت الباب بقوة لفتحه، وصحت: «سم!» هذا ما ظننته، ظننت أنها قد أطعمتني كعكة مسمومة.
قالت والدتي إن كل ما في الأمر أن الكعكة كانت متعفنة بسبب الرطوبة في منزل تلك السيدة، وخلوه من الزوار لأيام عديدة؛ ومن ثم لم يكن هناك من يتناول الكعكة، رغم الجموع الغفيرة التي يشهدها المنزل في أوقات أخرى. ومن ثم، كان من الممكن أن تبقى الكعكة لديها فترة طويلة لتصاب بالعفن.
لكنني لم أكن أعتقد ذلك، وظننت أنني قد تناولت سما وسأموت. ذهبت وجلست في ذلك الركن الذي اعتدت الجلوس فيه في صومعة الحبوب. لم يكن أحد يعلم بأمر ذلك المكان حيث احتفظت بكافة أنواع النفايات، مثل بعض قطع الأواني الصينية المكسورة، وبعض الزهور المخملية. لا زلت أتذكر تلك الزهور، كانت منزوعة من قبعة تساقطت عليها الأمطار. جلست هناك، وانتظرت.»
ضحك بيلي بوب ساخرا منها ، وسألها: «هل أتوا لجرك وإخراجك من ذلك المكان؟» «لقد نسيت. لا أعتقد ذلك، أعتقد أنه ربما كان أمرا صعبا عليهم البحث عني والعثور علي؛ إذ كنت أختبئ خلف أكياس العلف. لا، لا أعلم. أظن أن ما حدث في النهاية هو أنني تعبت من الانتظار، وخرجت من تلقاء نفسي.»
صفحة غير معروفة