ففي اليوم المعين للمحاكمة قال لرفيقه ادخل إلى الحفرة وسأصعد أنا إلى الشجرة، فإذا رأيته قادما نزلت وأتيت إليك. وأقام كل في مكمنه إلى أن انتصف النهار، فرأى الرقيب من أعلى الشجرة مركبة تتوغل في الغابة قادمة إلى البحيرة، فأيقن أنها مركبة داغير، وأسرع بالنزول فدخل إلى الحفرة؛ حيث كان كلوكلو، وغطاها بالسقف الذي صنعه من الأدغال وشده بالخيوط؛ فجعله قطعة واحدة.
وأقاما ينتظران وقد حبسا أنفاسهما، وبعد هنيهة سمعا صوت المركبة، ثم علما أنها وقفت، ثم سمعا وقع خطوات داغير وقد مر بقرب الحفرة باحثا بين الأشجار والأدغال كي يستوثق من خلو المكان.
فلما استوثق تنفس الصعداء وذهب توا إلى البحيرة فخاض فيها، وعند ذلك رفع الرقيب سقف الحفرة قليلا وجعل يراقبه، فرآه قد مد يده إلى المكان المخبوء فيه الكيس فأخرجه من المياه، وقد برقت عيناه ببارق غريب، فحمل كنزه وخرج به من البحيرة، فسار مسرعا إلى المركبة وهو يحسب أنه نجا بكيسه؛ والحقيقة أن هلاكه كان بهذا الكيس؛ فإنه قبل أن يصل إلى المركبة شعر بأياد قد قبضت عليه من الوراء، فألقى الكيس إلى الأرض، والتفت فرأى كلوكلو والرقيب وهو يعرفهما، فهزهما بكل ما لديه من القوى بحيث تمكن من الإفلات وأطلق مسدسه فأصاب كلوكلو.
ولكنه قبل أن يتمكن من إطلاق النار على الرقيب هجم عليه هجوم المستميت، فانتزع المسدس من يده وضربه بقبضته على رأسه فصرعه وأغمي عليه لضعفه، فاغتنم الرقيب هذه الفرصة وقيد يديه ورجليه بقيد البوليس المعروف.
ثم أسرع إلى كلوكلو ليتفقده، فقال له : ألعلك جريح؟
قال: نعم، ولكن أظن أنه جرح بسيط.
فكشف عن الجرح فوجد أن رصاصة داغير قد اخترقت لحم كتفه دون أن تكسر العظم، فغسله بماء البحيرة وربطه بمنديله، وقال له: هل تتألم كثيرا؟
قال: لا تهتم بي؛ بل بذلك السفاك.
وكان داغير قد استفاق من إغمائه وحاول أن ينهض، فشعر أنه مقيد، وكادت عيناه تخرجان من وجهه.
أما الرقيب فقد وقف أمامه وجعل يضحك، فقال له داغير: ماذا تريد مني؟
صفحة غير معروفة