ومضى أسبوع كان روبير بن فولون يختلق كل يوم فيه سببا لزيارة مرسلين، بحيث اتضح أن الذي يجذبه إلى هذا البيت غرامه بمودست؛ فقد علق بها منذ الحفلة الراقصة.
ولم يكتم حبه عن أبيه، فقال له: إني أعرف هذا البيت وأوافق على زواجك بالفتاة، ولكني أحب أن تعلم إذا كان هذا الحب متبادلا بينكما؛ فإن الزواج من غير حب يعقبه التنغيص. - لست واثقا كل الثقة، ولكن تبين لي من أدلة كثيرة أنها تحبني. - إذن أتريد أن أخطبها إلى أمها؟ - ما أكرم قلبك يا أبي! - إن ما أقوله طبيعي معقول، وبعد فإني مخبرك بالحقيقة؛ وهي أني أحببت مرسلين بعد وفاة أمك وأردت أن أتزوجها فتكون لك أما ثانية، ولكنها أبت أن ترضى بي زوجا، فأنا اليوم سعيد بهذا الاتفاق؛ لأني سأذهب إليها فأقول لها أنك أبيت أن تكوني امرأتي فسينتقم لي ولدي فيتزوج بنتك. - إنك يا أبي خير الآباء. - وأنا أرجو أن تكون قريبا خير الأبناء، فاذهب والبس خير ملابسك، إني أردت أن تصحبني إليها. - نعم؛ فإن الأفضل أن أكون هناك.
وبعد ساعة كان الاثنان في منزل مرسلين فأحسنت استقبالهما.
وسألها فولون عن مودست فقالت: إنها تتنزه مع أخيها، فهل تريد محادثتها؟ - بل أريد مباحثتك في شأنها.
فتظاهرت بالاندهاش، ومضى فولون في حديثه، فقال: إن كلمة تكفي بالتعبير عن مرادي وهي أن ولدي يحب ابنتك، وله من الثروة ما يكفي اثنين، فهل تريدين أن يكونا زوجين؟
فأطبقت عينيها إخفاء لاضطرابها ونسيت أن تجيب، فقال لها: ما بالك لا تجيبين، ألا تجدينه كفئا لها؟ - بل هو خير كفء وفي ذلك تشريف لنا، ولكني لا أعلم إذا كان ذلك من الممكنات.
فقال لها روبير: لماذا لا ترينه ممكنا؟ - لأنه يشترط رضى مودست. - هو ذاك، ولكني كنت أتوهم أنها راضية؟ - قد تكون مخطئا يا موسيو روبير. - أتحسبين أنها لا تحبني؟
فوجمت ساكنة، ولكنها عولت على الكذب، ليس لأنها أرادت أن تبقي بنتها عندها من قبيل المبالغة في حب الذات؛ بل لأنها إذا زوجتها تضطر إلى الاعتراف بأنها ابنة الكونت دي مونتكور، وأن مودست بنت بوفور ففضلت الكذب على الاعتراف بهذه الحقيقة، وأجابت روبير قائلة: أظن أن مودست لا تحبك كما تتوهم. - هل سألتها؟ - نعم، فعلمت منها أنها تعدك بمثابة صديق.
فنظر فولون إليها نظرة المرتاب، وقال لها وهو يحدق بها: أواثقة فيما تقولين؟ فإني أحب روبير قدر ما تحبين مودست فانظري إلى ما فعلت به.
وهنا وقفت مركبة عند الباب فاضطربت مرسلين، وقام روبير فأطل من النافذة وعاد فقال: هو ذا الآنسة مودست مع أخيها. ثم قال لمرسلين: اسمحي لي يا سيدتي أن أتولى سؤالها بنفسي أمامك، أو سليها أنت أمامي يتضح لك أنك واهمة. - أية فائدة من سؤال يزيد جوابه حزنك؟ - أتوسل إليك أن تفعلي.
صفحة غير معروفة