وقد ندمت على ما قالته؛ فإن قولها هذا قد يكون بمثابة تشجيع؛ بدليل أنه نظر إليها نظرة تشف عن الاطمئنان وانصرف.
فأدركت معنى نظرته، وجعلت تقول في نفسها: ويح لي مما قلت وفعلت، ألم تنضب الدموع من عيوني، فلماذا أدفع نفسي الآن في سبيل الدموع؟ وبعد فهل أستطيع أن أحبه دون أن أعترف له بزلتي وأخبره بأمر ولدي؟ وكيف أبسط عاري لرجل يهبني قلبه!
وبعد، فهل الذنب ذنبي؟ إني لا أحبه ولا أستطيع ولا أريد أن أحبه.
وقد مضى أربعة أيام دون أن تراه؛ فشعرت بعاملين يتجاذبانها؛ عامل ارتياح وعامل استياء في حين واحد، وهذا من غرائب أسرار القلوب.
وفي اليوم الخامس سمعت باب المنزل يطرق فلم تكترث؛ لأن عامل البريد كان يأتي أحيانا، ولكنها ما لبثت حتى صاحت صيحة دهش؛ إذ كان القادم بوفور نفسه، وقد طلب مقابلة عمتها فلقيها وقال لها بملء البساطة: أرجوك معذرتي يا سيدتي لتشرفي بمقابلتك على هذا الشكل؛ فإني أحب مدموازيل دي مونت كور، وقد رأيتها لأول مرة في برن منذ شهر، وكانت الأقدار تدفعني إلى الشوارع التي تمر فيها فأراها، ولم أعرف اسمها إلا منذ أربعة أيام، فكتبت إلى صديقي البارون دي لافار في فرنسا فأرسل إلي اليوم هذا الكتاب، هو لك يا سيدتي فتفضلي بتلاوته.
فقرأت الكتاب وقالت له: إن صديقنا البارون يوصيني بك يا سيدي، فأهلا بك ولكن على شرط.
قال: إني أقبل بشرطك قبل أن أعرفه. - شرطي ألا تحدث ابنة أخي بحديث حب. - ولكني أحبها. - إنك تحبها ولكني لا أعلم أنها تحبك، ثم إني أعرف أمانيها، فلا أظن أنك أنت الذي تحقق هذه الأماني؛ ولذلك رجوتك ألا تكاشفها بحبك، فهل تقسم لي؟ - أقسم لك على أني أحتفظ بهذه اليمين إلى أن تحلني ابنة أخيك منها.
فأدارت وجهها كي تخفي دمعة جالت في عينها، وقالت: إني واثقة من أنها لا تحلك من هذه اليمين.
وفي اليوم التالي عاد إليها فاجتمع بها وبمرسلين، فلما انصرف قالت مرسلين لعمتها: لماذا أذنت له بزيارتنا؟ فإني قبل أن أعرفه لم أكن سعيدة، ولكني كنت ساكنة مطمئنة، فقضي الآن على راحتي.
فذعرت عمتها مما سمعت وقالت: ماذا تعنين؟
صفحة غير معروفة