يعني: الله ينير لعباده دلائله التي يهتدون إليه بها، لأن يعرفوه بما أبان، ويعلمون أنه الحق بآياته المنيرة، وأن يميزوا بها بين الخالق وخلقه، والله نور الأنوار، وهو منير لما نور من دلائله، فهو نورها لأنه أضاء لنا الأشياء وأبانها، وجلا عنها ظلمة الشبهة، فأزال عنها الشكوك والريب، بتجليتها للعقول، أنه الحق المبين، وأنه نور كل شيء، وليس كمثله شيء. وكذلك أمرنا أن نصفه، وبذلك دلنا على نفسه، من غير أن نجاهر الله فتدركه الأبصار، فاستنار لنا بتدبيره، من غير مشاهدة منا له، ولا إحاطة به، ولا إدراك من حواسنا له، فهو نور السماوات والأرض، ونور من فيهما، بمعنى: الذي ذكرنا أن الحق من عنده، وأن العباد به استناروا، وبه استضاءوا، وبه أبصروا، إذ استضاء لهم سبحانه بنوره الذي عاينوا من خلق أنفسهم، وتدبيره في ملكوت السماوات والأرض.
ومن لطائف الآيات التي لا يكون معها ريب، ولا تدانيها الشكوك، ولا تعتريها الفترات، ولا تكون معها الغفلات، فرأوا ربهم بتدبيره ونوره وعلاماته، لا بمجاهرة منهم له، ولا بالمشاهدة والملاقاة، تقدس الله عن ذلك، وجل جلالا عظيما . وكذلك الله نور السماوات والأرض ومن فيها، لأن عباده الذين هم سكان أرضه، استناروا وعلموه بما عاينوه من نوره، إذ دبر الأرض، وخلق فيها ما به أنار لهم، إنه الله سبحانه، فاستنار نوره بغير تحديد، وعرفوه من غير تخيل، ووحدوه معروفا بغيرتشبيه، بل عرفوا الله بعجيب آياته، وبأثر دلالاته.
صفحة ٣٠٠