وقال الله عز وجل في كتابه، يذكر النفس بغير هذا المعنى :{خلقكم من نفس واحدة} [النساء: 10] يعني: من آدم عليه السلام، فسماه نفسا، ولم يرد به روحه، وقال :{يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي} [الفجر: 27]. يعني: يا أيها الإنسان، ولم يرد النفس التي هي الروح فقط، وإنما أراد الحي الذي هو الإنسان، وكذلك قوله :{كل نفس بما كسبت رهينة} [المدثر: 28]. أي: كل إنسان بما كسب رهين، وقال :{أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت} [الزمر: 56]. يعني : أن يقول الانسان وقال :{النفس بالنفس} [المائدة: 45]. يريد: الانسان . وقال :{كل نفس ذائقة الموت} [العنكبوت: 57]. يعني: أن كل إنسان ميت.
والعرب قد تقول للشيء الذي لا روح له ولا شخص، هذا نفس كلامك، وهذا النور بنفسه.
وقال الشاعر:
قالت له النفس إني لا أرى طمعا .... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد
وقال آخر:
وهل نحن إلا أنفس مستعارة .... تمر بها الروحات والغدوات
يعني هل نحن إلا أناسي مستعارون، ولو أراد بذكر النفس معنى الروح لما جاز أن يسمى كله نفسا، لأنه بدن ونفس.
وقال آخر:
وقد وفدت إليك بذات نفسي .... قصائد يعترفن بما نشاء
يعني بقوله بذات نفسي، أي: بي كما أنا. كما قيل في اللغة: جئتك بنفسي، ولم يريدوا بقولهم معنى ثانيا، هو غير جئتك، لأنه إذا قيل: جئتك دل على الجائي تاما، ولما قال بنفسي لم يرد معنى ثانيا هو غير المعنى الذي هو جئتك.
وقال آخر:
............... وما لام نفسي مثلها لي لائم
قال الله عز وجل :{قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونسآءنا ونسآءكم وأنفسنا وأنفسكم} [آل عمران: 61]. يعني: نحن وأنتم، وقال الله :{ويحذركم الله نفسه} [آل عمران: 28]. فالمحذر: هو: المحذر منه، يعني يحذركم الله أي: يعذبكم، كما قال :{كتب على نفسه الرحمة} [الأنعام: 12]. وليس الكاتب غير المكتوب عليه.
صفحة ٢٩٨