ذكر صفات الفعل
إن سأل سائل مسترشد أو قال متعنت قائل: أتقولون إن الله ذا الجلال والإكرام، وذا القدرة والملكوت والإنعام، لم يزل متفضلا جوادا كريما، توابا محسنا غفورا رحيما؟
قيل له: إن هذا الذي ذكرت مما عنه سألت وسطرت أفاعيل من الواحد الجليل، وقد كان سبحانه وجل عن كل شأن شانه ولما يفعل الجود والرحمة والعفو والإحسان والنعمة، ثم فعلها وبعد العدم أوجدها، ونحن فنقول: لم يزل المتفضل الجواد الكريم المحسن الغفور التواب الرحيم، فندخل في ذلك الألف واللام ليكون قولنا وخبرنا عن الواحد الرحمن ذي الجلال والسلطان، ولا نطلق القول والكلام في ذلك بغير الألف واللام، لأن في ذلك توهيم قدم الخليقة من المرحومين، وتثبيتا لأزلية التوابين المربوبين.
فإن قال: أفتقولون إنه كان غير تواب رحيم ولا متفضل محسن كريم؟
قلنا له: لا نقول ذلك لما فيه من توهيم البخل والفظاظة وضد الإحسان، والله فبري من ذلك له الأسماء الحسنى في كل شأن.
فإن قال: أفتقولون إنه لم يزل صمدا؟
قيل له: نقول لم يزل الواحد الصمد، ولا نطلق في ذلك القول بغير الألف واللام؛ لأن الصمد عند أهل المعرفة والتمام هو الغاية المعمود والنهاية المقصود الذي ليس من ورائه مصمد، ولا يوجد بعده للمطلوبات مقصد، الذي تقصده البرية في شأنها، وتضرع إليه في كل أسبابها، وفي اطلاقنا ذلك على ما قلت، وقولنا فيه بما ذكرت توهيم أن البرية الحادثة الفانية من الخليقة الضارعة لم تزل، وهذا فاحش من المقال، مستنكر في كل حال، ولكن نقول لم يزل الصمد، وكذلك نقول: لم يزل المشكور المحمود، ولا نطلق القول بلا ألف ولا لام، لما في ذلك من توهيم السامع من الأنام من أنه لم يزل الحامد أزليا مع المحمود، والشاكر قديما مع المشكور.
فإن قال أحد من أهل الضلال: أفتقولون إنه كان في زمن من الأزمان غير مشكور ولا محمود في كل شأن؟
صفحة ١٧٣