وكثيرا ما تكون الفرصة حاضرة وإن لم تبد كذلك، ولم ينتبه إليها على أنها كذلك ... ولكن الفرد المتيقظ المتنبه الساهر هو الذي يعرفها من أول وهلة، فيتقدم إليها جريئا ويحسر عن وجهها القناع بكل جسارة وإقدام.
ولتأثير القرناء من الحداثة والخلطاء من الصغر قيمة كبيرة في التمهيد للنبوغ، والتوطئة للرياسة، والبناء للزعامة، فكم من نابغة أو عظيم كان لأهله والذين خالطهم من النشأة وتأثر بهم فضل كبير في بلوغه الذروة من المجد، ووصوله إلى النجاح في الحياة.
ولقد رأينا آباء تركوا الحرية لبنيهم من النشأة وفق ملكاتهم، أو تعهدوا هذه الملكات من الطفولة بالتشجيع والعناية والاحتثاث؛ فكان من أولادهم فيما بعد عظماء وزعماء وقادة ونوابغ صالحون، كما شهد كثير من هؤلاء فيما تحدثوا به عن نشأتهم وذكريات حداثتهم بفضل آبائهم عليهم في تكوين الصفات والسجايا والخلال والنزعات التي أعانتهم على بلوغ الفوز المبين.
ولا ننسى كذلك تأثير الأمهات في تكوين ولدانهن وتنشيط ملكات أبنائهن، فقد رأينا المخترع إديسون يعترف بأن أمه كان لها الفضل في إيقاظ ملكاته وكوامن مواهبه، كما شهدنا كثيرا من العظماء والنوابغ يقرون في ذكريات صباهم بما كان لأمهاتهم عليهم من فضل عظيم.
وقد كتب ويلسون رئيس الولايات المتحدة الذي ظفر بالشهرة العالمية في مؤتمر الصلح بشروطه الأربعة عشر وتقرير المصير، فصولا رائعة في فضل والده «ودرو» عليه، وتعهده لملكاته من النشأة، وقيامه على رياضة ذهنه واستعداده من الطفولة الباكرة، كما اعترف جورج واشنطن محرر أمريكا العظيم بأن كل مجده وشهرته ومكانته من أمته كان من ثمرات غرس أمه في نفسه في الأعوام الأولى من حياته.
ومن المحقق أن للزوجات والشريكات في الحياة أثرا في مجد عدد عديد من الزعماء وعظماء الرجال، كما كانت زوج «لافايت»، فقد وصفها بقوله: «لقد كانت ملك خير.» وحتى لقد قاسمته السجن وشاطرته المحبس في أيام بلواه وفترة محنته وشدائده.
وقد يكون لبعض الأقارب أحيانا كالأعمام والأخوال أو الأجداد في هذه الناحية أثر كبير، كما يكون للمعلمين في المدرسة والأساتذة في المعهد، ولبعض المعارف أو أصدقاء العشيرة والمترددين على البيت والجيران في الحي أو المنزل القريب.
وربما اجتمعت كل هذه المؤثرات في حياة الفرد من النشأة أو في الشباب، فأحدثت السلطان البارز في تكوين زعامته، وأعانته باجتماع عواملها المختلفة على البروز فوق قمة النجاح. •••
وقد تظهر البواعث بالاكتساب، أو قد تنبثق فجأة في بعض النفوس انبثاق الشهاب، وتستولي على المشاعر مفاجئة، وتدب إلى الأذهان طارئة وتستأثر بكلية الوجدان في لحظات مباغتة لم تكن في الحسبان.
وقد ينبعث الدافع في ظروف معينة تعرض للأفراد، ونقط دوران في حياتهم وسير أعمارهم؛ فتعطف بهم عما كانوا منطلقين صوبه، وتعدل بهم إلى طريق جديد لم يكونوا سالكيه أو مفكرين فيه، وقد يقع هذا بسبب حادث خطير أو حادث يسير، أو لسبب من أهون الأسباب، فيكون ذلك بداية دور جديد في حياة الفرد أو منعطف عند نقطة دوران.
صفحة غير معروفة