[وزعموا أنها تقتضي النقص والحدوث فلا يمكن الاستدلال على حدوث العالم إلا بنفيها فنفوها]
فلما استعمل المتكلمون في الله بعقولهم «المنطق» في العلم الإلهي على حكم الطبيعي وجعلوا مقدمات المنطق في ذلك شاملة للخالق والمخلوق في أن الاتصاف بهذه الصفات ملازم للحدوث لزمهم الباطل من نفي صفات الله وأفعاله فالتزموا ذلك تنزيها لله عنها في زعمهم وإلا كان جسما مركبا محدثا قياسا على المخلوق بالمثال والاستقراء وغالطوا فيما هو محقق من كون الحكم على بعض المخلوقات بأحكام بعضها بالمثال والاستقراء ظني وليس بعلم. وأما الحكم على الخالق بذلك بأحكام مخلوقاته فليس بعلمي ولا ظني؛ بل وهمي وجهلي وهذا هو ثمرة طلب الكشف والاطلاع في مقام التسليم والإيمان؛ فإن وحد الله (١) واحتجابه عن خلقه يمنع من التوصل إليه من غير جهة السمع عند من يفهم وينصف.
[والتزموا القول بالتعطيل عن الخلق والتدبير في الأزل]
ثم سوّل لهم الشيطان الحكم على الله سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا بالتعطيل عن الخلق والإحداث والتصرف ألبتة في الأزل الماضي الذي لا أول له ولا نهاية وأنه لم يخلق قبل هذا العالم المذكور في الشرع شيئًا، ولم يتصرف بشيء ألبتة، بل لم يزل في الأزل عطلا معطلا: إما لعدم القدرة على قول الجهمية ومن وافقتهم وإما لعدم المشيئة على قول المعتزلة ومن وافقهم ثم لما عرضت له القدرة أو المشيئة تغير بسبب خلق هذا العالم وصار كل يوم هو في شأن؛ ليصححوا بذلك دعوى معرفة نسبة هذا العالم. وقد ذكرت هذا في أول الباب.
فقول «جهم»: إن التعطيل في الأزل كان لعدم القدرة هو لما كان معترفا بالله، ومظهرا أن الله هو الذي أحدثه من غير طريق السمع التي تعرف سبحانه إليهم منها وعرفهم منها أنه هو الذي خلق السموات
_________
(١) كذا بالأصل ولعله توحد الله -أي كونه واحدا لا مثيل له في جلاله وكماله كما هو في دعاء ختم القرآن له.
1 / 74