ولهذا اتفق المسلمون على أن من زار قبر النبي ﷺ أو غيره من أهل بيته أو غيرهم أن لا يتمسح به، ولا يقبل ما أقيم عليه من الأنصاب ولا يطاف حوله، بل ليس شيء يشرع تقبيله إلا الحجر الأسود، وقد ثبت أن عمر ﵁ قال فيه: «إنك حجر لا تضر ولا تنفع» . ولكن تنازع الفقهاء في وضع اليد على منبر النبي ﷺ لما كان المنبر موجودا، فكرهه مالك وغيره.
وأما التمسح بقبر النبي ﷺ فكلهم نهى عنه أشد النهي، وذلك أنهم علموا ما قصده النبي ﷺ من حسم مادة الشرك وتحقيق التوحيد لله وحده.
وهذا مما يظهر به الفرق بين سؤال النبي ﷺ في حياته وبعد موته، وسؤال العبد الصالح في حياته وبعد موته؛ وذلك لأن أحدا في حياته لا يُعبد كما قال المسيح ﵇: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [١١٧/٥] .
وقال نبينا ﷺ: «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله»، وكذا لما سجد له معاذ ﵁ نهاه، وقال: «إنه لا يصلح السجود إلا لله» وما كان أحد أحب إليهم من رسول الله ﷺ وما كانوا يقومون له إذا قدم عليهم لما يعلمون من كراهته لذلك. فهذا شأن أنبياء الله وأوليائه. وإنما يقر على الغلو فيه وتعظيمه من يريد العلو في الأرض بالفساد: كفرعون، ومشايخ الضلالة الذي غرضهم العلو في الأرض.
والفتنة بالأنبياء والصالحين واتخاذهم أربابا والإشراك بهم في غيبتهم أقرب من الفتنة بالملوك ورؤساء الدنيا.
1 / 19