ولاية مسلم عليه السلام
غير خاف أن تمثيل نفسية الإنسان الكامل بأوضح مجاليها إنما هو ببث أفكاره الناضجة والإشادة بنواياه الحسنة ، وهي الغاية الفذة من ارسال الرسول سواء في ذلك أن يكون القصد به نشر أخلاق مرضية تتهذب بها النفوس ، أو تعليم علوم ناجعة تتكهرب بها العقول ، أو إقامة عدل ترتاح به الأمم أو الدعوة إلى دين تعتنقه الأقوام ، أو توطيد سياسة تهش غليها الأمة فلا ندحة للمرسل إلا أن يبعث لأي من هذه الغايات الكريمة من هو المثل الأعلى فيها من بين لفيفه وحاشيته فيكون نبوع الرسول مجلبة لرغبات الأمة الموصلة الى مرضات ذلك المصلح ووقوفه على غايته من الإرسال.
ويجب حينئذ أن يكون ذلك الرسول حكيما في عمله بليغا في منطقه ليضع الأشياء في مواضعها ، ويكون قوله على وفق رأيه السديد ولا تفوته مقتضيات الأحوال فيكون أدعى لنشور الدعوة وأنم عن عبقرية المرسل.
إذا كنت في حاجة مرسلا
فأرسل حكيما ولا توصه
وإنا لنكتفي عن استعراض الشروط الواجبة في السفير والكلمات التي تنم عما يراد منه بذكر ما اتفق عليه أرباب الحديث والتفسير فيمن أرسل مبلغا لأوائل « برائة » فإن التأمل في هذه الحادثة توقف النبيل على ما يراد من السفير وتلم بالشرائط كلها.
والقصة في ذلك أن جبرئيل هبط على النبي صلى الله عليه وآله في أول ذي الحجة سنة تسع من الهجرة (1) بالآيات من أول برائة ليقرأها على قريش في الموسم فأرسل
صفحة ٥٧