وأقدم ما يروى من ذلك ما كان من أمر شاول ملك بني إسرائيل حين تخبطه روح السوء، وكان داود يضرب له بالعود فيجد روحا (بالفتح).
وقد نقل عن أوميروس وبلوطرخس وتيوفرست أن الموسيقى تشفي من الطاعون والرثية ولدغ الهوام، وزعم قوم من المتأخرين منهم ديمربروك وبونيت وكرخر أنها تشفي من السل والكلب، وذهب غيرهم إلى أبعد من ذلك، وزعم بورتا أنه إذا اتخذت المعازف من خشب بعض العقاقير الطبية وضرب بها على سماع العليل فعلت فعل العقار نفسه. ا.ه.
الفصل التاسع والعشرون
محادثتي مع صاحب المعالي سعيد ذو الفقار باشا كبير الأمناء
تحدثت إلى معاليه صباح الأربعاء 10 يوليه سنة 1935 بالسراي الملكية بشأن حياة عبده الحمولي، صديقه الحميم، ورجوته بأن يرفع إلى الأعتاب الملكية ملتمسي الخاص بإحياء ذكراه يوم 16 منه تحت رعاية جلالة الملك؛ لأنه أكبر موسيقي أنجبته مصر، فاعتذر إلي من ذلك لأسباب لا محل لذكرها في هذا المقام. وقد أفضى بنا الحديث إلى ذكر بعض نوادره التي غلبت على الحكايات الخرافية، ومن ضمن ما قصه معاليه علي أذكر الواقعة الآتية: وهو أنه حينما ظهر دور «قد ما أحبك زعلان منك» وقد أعلز عبده داء ذات الرئة، وأضرب بسببه عن الغناء؛ نزولا على مشورة أطبائه الذين وضعوا بحلقه معلقة طبية؛ تسهيلا للتنفس، وقد اتفق أن جمعه وعبده مجلس أنس على ظهر ذهبية فخمة في النيل، فرأى عبده من بهجة وابتسام الطبيعة وتنهدات النسيم العليل ما حمله على التصدي للغناء لكي يستمتع صديقه ومن كان معه بصوته قبل الفراق. فعمد إلى رفع الملعقة من حلقه وأخذ يغني الدور المشار إليه، ولما اعترض عليه الحضور رأفة بحاله لم يقلع عن عزمه على إتمام الغناء حتى إذا ما أراد «قفل» الدور ضم إلى صدره لضعفه عمود صاري الذهبية. فهل يوجد أدل من ذلك على مبلغ تضحيته وتفانيه في خدمة الناس؟ ثم استطرد معاليه إلى الكلام عن سخائه وفنه وعبقريته بعد أن دخل علينا الهمام صاحب العزة: محمد بك حسين - الأمين الثاني - وجلس بجانبه فقال لي إنه لم ير طيلة حياته بين الباشوات في مصر أكثر منه تبرعا بعطاء، ولم يخلق قبله ولن يخلق بعده من يجاريه في فن الغناء وقوة الصوت. ومكث يقص علي عن كرمه ورقة عواطفه حديثا أشد تغلغلا إلى الكبد الصديا من زلال الماء. وبعد أن دعوته وحضرة محمد بك حسنين إلى تشريف الحفلة التأبينية التي قمت بإحيائها بدعوة مني على مسرح حديقة الأزبكية انصرفت شاكرا لمعاليه حسن استقباله لي وتفضله بالتحدث إلى عنه بما سرى عن خاطري.
وقصدت مساء السبت 13 شهره بناء على موعد تحدد إلى مكتب حضرة الأستاذ الكبير صاحب العزة: إبراهيم الهلباوي بك، بمنيل الروضة، وطلبت إليه أن يلقي كلمة عن الفقيد في الحفلة التأبينية؛ ظنا مني أنه من معاصريه وعشرائه، فاعتذر لي وقال: إنه لو كان يعلم شيئا عنه لما تأخر عن الخطابة كما فعل من يومين مضيا في تأبين المرحوم الشيخ: محمد عبده الذي كان متصلا به لوحدة عملهما في معهد الأزهر. وأردف معربا عن استحالة تعرفه به لما كان له من شخصية بارزة لا يوصل إليها، فشكرت لحضرته وصراحته وانصرفت.
ولما وصلت إلى مكتبي اتصلت تليفونيا بحضرة الأستاذ: محمد رفعت وشرحت له الموضوع ورجوته أن يتلو ما يتيسر من الآي الكريمة عند افتتاح الحفلة مساء 16 يوليو الماضي، فأسف جد الأسف لارتباطه في نفس الوقت بالعمل في محطة الإذاعة، وسألني عما إذا كان يمكن إرجائها إلى الليلة التالية، فأفهمته عدم إمكان ذلك لتوزيع تذاكر الدعوة للجمهور، والتنويه بها رسميا على صفحات الجرائد، ثم قال معجبا بعبقرية الفقيد ما مؤداه «إن عبده كان سيدا على الموسيقى، أما المطربون السابقون واللاحقون فهم جميعا عبيد لها».
الفصل الثلاثون
مشاهير رجال الموسيقى
الأستاذ سامي الشوا
صفحة غير معروفة