ولقد حوى تقرير لجنة التعليم بيان القواعد الأساسية لتعليم الموسيقى العربية ودراستها والآلات الواجب استعمالها والوسائل المؤدية إلى ذلك من حيث التدريس والمؤلفات. وعنيت بصفة خاصة بحث المؤلفات الموسيقية التي وضعها الشبان المؤلفون المصريون، ونصحت لهم أن يتجنبوا الطريق الذي سلكوه لتكون الموسيقى عربية خالصة من ألوان الموسيقى الغربية.
وقدمت لجنة التاريخ الموسيقى والمخطوطات بيانا وافيا للمخطوطات العربية الهامة التي تجب العناية بدراستها والرجوع إليها لمعرفة تاريخ الموسيقى العربية وأصولها، وتحقيق الغاية التي ينشدها المؤتمر بإحياء مجد الموسيقى العربية، كما بينت فيه ما ترجم وما نشر من تلك المخطوطات.
أما لجنة المسائل العامة فقد عنيت ببيان الوسائل المؤدية لترقية الموسيقى العربية والوصول بها إلى الدرجة المبتغاة لها من رفعة الشأن مع الاحتفاظ بطابعها ومميزاتها.
الفصل الثاني والعشرون
شعور المغفور له سعد زغلول باشا
نحو فقيد الفن (الحمولي)
دعى عبده في المدة المتراوحة بين سنتي 1896-1899 للغناء في أسيوط بدار الدكتور: حبيب بك خياط احتفاء بزواجه بابنة الوجيه المرحوم: ويصا بقطر، فاعتذر عن قبول الدعوة لارتباطه بإحياء حفلة زفاف ربة الصون والعفاف كريمة المرحوم: مصطفى باشا فهمي - رئيس مجلس الوزراء الأسبق - (صاحبة العصمة صفية هانم) إلى سعد بك زغلول (آنئذ)، فغنى دور «أنا من هجرك أحكي خصرك. ولي أنت الآمر الناهي»، وكأنه بإيحائه تنبأ بزعامة سعد زغلول للأمة المصرية الكريمة، كما أنه غنى دورا آخر نظم: إسماعيل باشا صبري وكيل الداخلية وقتئذ: عشنا وشفنا سنين ومن عاش يشوف العجب غيرنا تملك وصال (بواو العطف ) واحنا نصيبنا خيال فين العدل (كررها ثلاثا) يا منصفين، بلهجة الغضب مصورا بنغماته الحماسية، وشعور الأمة الوطني، مما كان يحيط بالبلاد من ظروف وانفعالات ذودا عن حوزة الوطن العزيز، على أنه لا يعزب عن البال من طريق الاستنتاج أن نغمات المطرب كالشاعر والمصور أصدق دلالة على ما في نفسه من عوامل ونزعات وتحفز، ففي هذه النغمات الأخيرة ألفينا عبده شجاعا أبيا ووطنيا حرا ومصريا حميما، خلافا لما نجد في نغمات المجددين من خلاعة وتهتك ليس عليها مسحة القومية، ولا هم لهم إلا الكسب والجشع في عصر استنوقت فيه جماله، وأصبح ونساءه رجاله يشترينهم بالبائنة بدل المهر ليسيطرن عليهم وينفدن بالأمر والنهي.
المغفور له سعد زغلول باشا.
ولما مات عبده ذهب المرحوم سعد بك إلى دار الفقيد بالعباسية وأراد أن يقابل إحسانه السابق بمعروف لاحق يسديه إلى عائلته رأفة بحالها بعد فقده، فاقترح تلميحا على زوجته السيدة جولتار هانم أن يجمع لها بطريق الاكتتاب مالا يساعدها على تربية أولادها، فأعرضت عن النزول على مقترحة شاكرة، وقالت له «إن عبده مات غنيا كما عاش غنيا وترك لنا ثروة أدبية وفنية خالدة في السماء لا يأكلها السوس ولا تمتد إليها يد سارق. فنعم الزوجة التي آثرت أن ترضى غيرة على سمعتها بميسور ما تركه لها على أن تضرب عليها الذلة، وأكرم بعبده بعلا حمي الأنف قد بث فيها طيلة حياته إباء وشرفا وعزة نفس. وشكرا لك أيها الزعيم الكريم على ما قمت به من ثواب، وأظهرته من كريم الشمائل ورقة العواطف، ووثيق العهد نحو من أنسته المروءة نفسه، وكرس للخير حياته التي عدها ملكا مشاعا بين قومه، وأهلك نفسه ليحفظ غيره، قدس الله روحيكما وأسكنكما فسيح الجنان».
الفصل الثالث والعشرون
صفحة غير معروفة