ولكن عندما رأى أن تلك الكلمة الوقحة - التي من الواضح تماما أنه قالها متعمدا لإغضابي - لم تأت بنتيجة مؤثرة، التزم الصمت التام في قلق. أما أنا فقد انبهرت أن اسم ذلك الشاب «هاناي»
7
ينطبق تماما عليه.
وعلى ما أعتقد أن هاناي كان في حالة رعب مما يمكن أن أفعله به في هذه الغرفة المعتمة المحكمة الغلق. من السهل هنا البحث عن بوادر عقدة الاضطهاد، ولكن لا يجب تضخيم قلق المريض من الكشف أول مرة لتلك الدرجة.
ولأنني لم أقل شيئا بعد أن انتظر لفترة، توجه هاناي نحوي فجأة ببطء ثم قال: «هل قرأت يا دكتور رواية «أرمانس» لستندال؟»
أعترف، مع خجلي، أنني تنقصني الثقافة الأدبية. ما أعرفه من أعمال ستندال هو روايتي «الأحمر والأسود»، و«دير بارم» فقط، ولم أسمع حتى باسم رواية «أرمانس» تلك. - «كلا، لم أقرأها.» - «وهل تعرف محتواها؟» - «كلا، مطلقا.» - «ألا تتظاهر بعدم المعرفة؟» - «لا أتظاهر. فمن المميزات التي يمكنني الفخر بها أنني لا أتظاهر بالعلم مطلقا.» - «أنت إذن لا تعرف حقا.» - «أجل.»
ضحك هاناي عاوجا شفتيه الخفيفتين وهو يقول: «يا لك من كسول في الدراسة! مع أنني كنت أريد أن أسألك يا دكتور عن رأيك في انتحار أوكتاف بطل الرواية في نهايتها؛ أهو سلوك منطقي أم لا؟»
قرأت رواية «أرمانس» فيما بعد، وعرفت أنها تحكي أن أوكتاف بطل الرواية هذا عنين وأنه ينتحر في نهايتها انتحارا بطوليا، ولو كنت أعرف ذلك مسبقا لاستطعت أن أدخل إلى قلب هاناي بسهولة من خلال تلميحه هذا، وشعرت بالألم بمعرفة إلى أي درجة أن الأدب في غاية الأهمية بالنسبة لطبيب التحليل النفسي.
إن افترضنا أن هاناي مريض، فيمكننا القول إنه مثال نموذجي للمريض الذي يقاوم طبيبه؛ مرتديا من البداية درعا يحمي به نفسه؛ أي أكثر المرضى بعدا عن التعاون مع طريقة العلاج بالتحليل النفسي. وهو يشبه في تلك النقطة ريكو وقت البداية، ولكنه كان أكثر هجومية من ريكو. كنت صامتا فبدأ هو الهجوم علي. كانت نبرة ذلك الجدال في منتهى الحدة كأن عجزه الجسدي جعله يركز كل قواه في قدراته العقلية. «إذن، سأسألك سؤالا يا دكتور، ما معنى كلمة «يعالج»؟ ماذا يعني «شفاء» المريض بإزالة الضغط العصبي منه بقوة التحليل النفسي؟ هل يمكن التفكير في أن ذلك يعني استعادة تكيفه الاجتماعي؟» - «بالتأكيد هو كذلك.» - «إنني أفهم جيدا سبب استخدام التحليل النفسي بكثرة في أمريكا. بمعنى أن سبب انتشاره هو أنه يتملق رغبات العامة من أجل إدخالهم قفص التماثل، باستعادة الخراف الضالة واحدا بعد الآخر، وتقييد إنسانيتهم الغنية والمتنوعة. الإنسان الذي عولج بفضل التحليل النفسي، يذهب، على الأرجح، كل أحد إلى الكنيسة، ويذهب مطيعا إلى حفلات كوكتيل مملة يقيمها الجيران إلى ثالث جار على الجانبين، وعلى الأرجح يذهب في سعادة إلى التبضع في السوبر ماركت تلبية لطلبات زوجته. ثم يقول له جاره الذي مر عليه في الطريق ويربت على كتفه: [رائع أنك شفيت. لقد بت الآن عضوا حقيقيا في مجتمعنا.]
أحيانا ما أفكر في أن أطباء التحليل النفسي في أمريكا يتلقون أموالا من الحكومة الأمريكية. فأي إنسان، مهما كان، لديه قدر من الكبرياء يجعله يعترض إن قيل له [سوف أجعلك أعمى] ويقاوم ذلك، ولكنه مع كراهيته للدعاية التلفزيونية فإنه لا يملك درجة كبرياء تجعله لا يقلق إذا قيل له [سوف أجعلك بصيرا]، لهذا السبب يرحب بالتحليل النفسي.»
صفحة غير معروفة