قلت لها: «احترسي لنفسك. وإن استطعت كتابة رسائل فأرجو أن تكتبي وترسليها لي.»
رفعت المرأة ذات النظارة عينيها لأعلى تحملق في بدهشة.
نزلت إلى الرصيف. فبدأ القطار في التحرك. وابتعد وجه ريكو الأبيض المبتسم عن مجال رؤيتي، وجه بلا مساحيق ويعطي انطباعا بالذبول، والذي أصبح كأنه ظل يشبه منديلا بحواف دانتيلا وضع في ذلك الوقت بالضبط على زجاج النافذة.
21
وأخيرا استعدت أنا هدوئي (على الأرجح أنني اطمأننت بعد أن تأكدت من أن ريكو تسافر بمفردها)، فلو واصلت الشك فلن أنتهي، ولذا عدت سريعا إلى العيادة بعد الواحدة بقليل. وبعد أن اعتذرت إلى المريض الذي لديه حجز الساعة الواحدة؛ لأنني جعلته ينتظر، شرعت في جلسة التحليل النفسي دون أية عقبات.
كان ذلك المريض مصابا بمرض رهاب الخجل المنتشر كثيرا، ولكنه كان قد اقترب من التعافي، فكانت الجلسة مريحة بالنسبة لي. مرت عدة أيام وأنا في انشغال عن أمر ريكو رغم قلقي عليها، فمر الأمر دون أن أظهر بمظهر سيئ كطبيب نفسي يتصل خصيصا بالفندق. وبدأ صبري ينفد أخيرا بعد مرور أسبوع. وعندها وصل إلي بريد مستعجل من ريكو يحتوي على خطاب ضخم. وكانت تحكي فيه تطورا جديدا لم يخطر على بالي. ... ... ... «دكتور شيومي
إنني أحيانا أشعر بحالة من الرعب الشديد وأنا أتساءل: إلى أي مدى سيغفر لي الدكتور أنانيتي؟ أو متى سيأتي الوقت الذي يتخلى فيه عني؟ ولكن على الأقل ليس أمامي طريقة لكي تدرك إخلاصي إلا من خلال كتابة تقرير تفصيلي أوضح فيه تقلباتي الشعورية، وإبلاغك بالأحداث التي تجري لي دون مسئولية مني.
في اليوم الأول لإقامتي بفندق «س » السياحي، استمتعت بعد غياب طويل بالوحدة التي لا يزعجني فيها أحد، وقرأت الكتاب الذي أهديتني إياه، وبدأت أفكر بغرور أنني ربما أستطيع أن أكتب لك رسالة يغلب عليها التحليل النفسي الذاتي وتختلف قليلا عما سبق من رسائل.
يقع هذا الفندق فوق جرف صخري عال يطل على البحر في الطرف الجنوبي لشبه جزيرة «إيزو». كان المنظر بدرجة جمال نادرة جدا؛ عيبه الوحيد هو شدة رياح الربيع الغربية، ولكنني كنت لا أمل من النظر من نافذة الغرفة إلى الخليج ولسانه العميق والموج الأبيض الذي يضرب الصخور الواقعة في مكان جيد جدا داخل الخليج، والمراكب التي تبحر في عرض البحر. في اللحظة التي أتيت فيها إلى هنا، زادت شهيتي زيادة مدهشة لدرجة أن الأموال النقدية التي معي صرخت من الشكوى، واستطعت الدخول إلى أماكن الألعاب الصاخبة التي تكتظ بالعائلات الذين يلهون بوضع العملات المعدنية واحدة بعد الأخرى في صندوق الجوق الموسيقي، وبآلات اللعب الأمريكية الصنع الأخرى؛ بدون الشعور بأنني غريبة. ولكنني أيضا شعرت بالقلق قليلا؛ لأنني مهما نظرت حولي كنت أنا المرأة الوحيدة التي جاءت بمفردها. ولكن في المساء شاهدت في بهو الفندق شابا يبدو كئيبا ووحيدا، يرتدي سترة سوداء (وإن قلت شابا فهو ما زال في حدود العشرين من عمره)، وعلى ما يبدو أن ذلك الشاب أيضا أتى وحيدا، ولكنني لم أره بعد ذلك.
في اليوم التالي، تناولت وجبة الإفطار، ثم خرجت للتنزه في حديقة الفندق. كانت الحديقة تمتد في اتجاه الجنوب والغرب، وعند النزول من درجات السلالم الطويلة في اتجاه الجنوب، وفي منتصف منحدر مائل ثمة أحواض حجرية لزراعة الفراولة، ويمكن رؤية ثمار الفراولة الناضجة جدا هنا وهناك تحت الغطاء البلاستيكي. انتعش جسدي لمجرد النظر إليها فقط، لدرجة أنني أحسست بطعم الفراولة المنعشة الحامض يأتي في فمي.
صفحة غير معروفة