وقيل: إن تعبير تقريب ماهو مكتوب على باب بربة مدينة "دندرة"(104) بقرب قنا وقوص: "صرفنا على مطبخ العقلاء ثلاثين قنطارا فلفلا".
وغلظ كل عامود أربعة أبواع.
[وأنواع مافيها من اختراع الصنائع يعجز عن حصره أهل الاطلاع.
ومن عجائب البرابي أنك ترى الحجر الواحد قطعة واحدة قدر منارة السلطان حسن فمادون ذلك مصورة منقوشة مكتوبة.
قيل: وقالوا في بعض كتب التعريف: "لما أن دلت علومنا السماوية على فساد العالم الأرضي خشينا عليه فنقشنا على هذه الباربي ما يحتاج إليه العالم من علم الصنائع والبضائع إلى آخر الدهر".
وقيل: إن دندر بن قفط بن إخميم بن مصر بن سام بن نوح عليه السلام، صاحب البربة المشهورة ب"بربة دندر"، اتخذ تنورا من نحاس يرى فيه مايحدث كل يوم، فمما رأى وقوف النيل سبع سنين في زمن يوسف عليه السلام. وبشر الحكيم قومه وأنذرهم من قبل فحفر في الأرض ما يحتاج أن يزرعه قمحا بلا زيادة نيل، وخزنه وانفرد بهذا في زمانه، ولم يمت له من الجوع أحد، وانفرد بحسن هذه البربة كأنها عروس منقوشة مع أنها كجبل عظيم، وهي محررة مسطرة مبتكرة]. (105).
قال بعض القضاة من نياب السلطنة: لو اجتمع الآن كل سلطان في هذا الزمان ، وصرفوا جميع أموالهم على عمالهم لن يستطيعوا أن يصوروا مثل هذا من خشب ولا طين، فكيف وهذه من حجر كبير منقوش ومفروش ومكتوب ومصور؟..
قال بعضهم: والذي أقوله والله أعلم : إن هذه البرابي تصديق تعبير قصص موسى عليه السلام، لقوله تعالى: (وجاؤوا بسحر عظيم((106). وهذا من نهاية دوام تصديق الإعجاز، وكيف موسى غلب على هؤلاء الذين أثاروا الأرض وعمروها أكثر مماعمروها، وماكان هذا إلا بأمر رب العالمين رب موسى وهارون، وإن الذين يتعجبون من سد الدجلة بكتب بغداد لو رأوا برابي الصعيد والعلوم المكتوبة فيها كيف يكون تعجبهم؟.. وليس الخبر كالعيان، وإني متعجب من قول أصحاب العجائب:"إن أعجبها الهرمين"، مع أن أقل برابي الصعيد بإجماع من شاهدها من أهل الكونين، أجل وأكمل من عجائب الهرمين!. مع أن باني الهرمين قيل إنه من أصحاب البرابي، ولكن هذا على قدر ما اطلعوا(107).
وما شهدنا إلا بما علمنا، وفوق كل ذي علم عليم، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وإلى ربك المنتهى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تمت الرسالة المباركة
***
صفحة ١٠