النص المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى. وبعد:
هذا مجموع لطيف من كتاب شريف، أعني كتاب: (مشتهى العقول في منتهى (5) النقول). وهو في جزء (6) وفيه الأجزاء، وهذه أثمار من أشجار، وأقطار من بحار(7)، من تبويب ولا ترتيب.
1 منتهى الأجسام "العرش": انتهت قوائمه إلى ثلاثمائه وستين قائمة. مابين كل قائمتين (8) من قوائمه ثمانون ألف عام، وهو سقف الجنة، ويظل سبعين يوم القيامة، من السبعين (9)، السبعة التي في البخاري، الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه(10).
وبعض ملائكة العرش عرض شحمة أذنه مسيرة خمسمائة عام.
وطار ملك اسمه "حزقاييل" بثلاثة عشر ألف (11) جناح (كل جناح) (12) قدر الأرض إلى عنق العرش عشرين ألف سنة، ثم ضاعف الله له أجنحة وقوة فطار ثلاثين ألف سنة (13). ثم قال: "يارب إلى منتهى العرش"؟ فأوحى الله إليه: "لو طرت(14) إلى أن ينفخ في الصور لن تبلغ (ساق العرش) (15)". فقال: "سبحان ربي الأعلى" [فأنزل الله]: (سبح اسم ربك الأعلى((16).
قلت: يعني يا محمد سبح اسم ربك الأعلى (17)، الذي أسرى بك ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، الذي باركنا حوله إلى (سدرة المنتهى إلى)(18) ما لا يصل حزقاييل ولا جبرائيل (19).
2 منتهى الليالي "ليلة القدر"، قال الله تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها، بإذن ربهم من كل أمر، سلام هي حتى مطلع الفجر(.(20)..
3 منتهى كل دار "الجنة" أو "النار":
فالجنة: عرضها كعرض السموات(21)، والأرض، طولها يمتد إلى الأبد، وشجرة طوبى يسير الراكب السريع(22)في ظلها مائة عام ما يقطعها(23)، وأشجارها أصولها في الغيب وفروعها(24)، إلى الأرض، تطرح الحلي والحلل(25).
صفحة ٤
4 منتهى النعيم: "النظر إلى الله تعالى بلا كيف ولا وصف"، ولا يحيطون به علما (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار(. (26). ولحديث: "إنكم سترون ربكم"(27). (وجوه يؤمئذ ناضرة إلى ربها ناظرة((28).
وقوله تعالى: (لن تراني((29)، أي في غير (30) الجنة.
5 منتهى العقاب(31) "حجاب الخلق عن الحق". قال الله تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون((32)، (ومفهوم الضد: غير المحجوبين )(33)، يرون ربهم من المؤمنين فينسون النعيم (34)، إذا رأوه، فيا خسران (35)، أهل الاعتزال.
6 منتهى الملائكة ملك اسمه "الروح": قدر أهل الحشر(36)، وحده، وفي الحشر (36)، بعض الملائكة (37)، خطوة الواحد منهم (38)، أربعة ألاف سنة.
7 منتهى السعادة (39)، لنبينا "محمد (" وخص بزيادة على أربعين خصيصة، وخلق الحق الخلق لأجله ليخاطبه بالقرآن (40)، ولولاه لم تخرج الدنيا من العدم.
8 منتهى الشقاوة ل"إبليس": عبد الله تسعين ألف سنة، ثم انقلب شقيا سرمدا(41)، إلى أبد الآبدين، لقوله تعالى: (وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين((42).
9 منتهى العلوم في (43) "القرآن": عجز عنه الثقلان، قال الله تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله((44).
وفيه علوم عدد (45) الأنبياء مئة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، وقيل: مئتي ألف وأربعة(46) وعشرون ألف (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا(.(47).
10 منتهى الملك ل:(سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام): سماطه كل يوم: (ألف جمل، وأربعون ألفا من الغنم، وأربعة آلاف من البقر، في قدور راسيات يعملون له ما يشاء، وبساطه مسيرة مئة ألف فرسخ(48)، عليه الطير كالقبة، ومئة (49) ألف كرسي من ملوك الإنس والجن، ومن جنده "بلقيس" لها اثنا عشر ألف نائب، تحت يد كل نائب مئة ألف من الجند، وملكها بعرشها في ملك "سليمان عليه السلام" جزء من مئة ألف جزء، وكفى قوله تعالى: (وورث سليمان داود وقال: يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء، إن هذا لهو الفضل المبين((50)، والآيات والآثار في ذلك كثيرة، ويكفي قوله تعالى: (رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب(. (51).
صفحة ٥
11 منتهى المدائن "بغداد": حماماتها (ستون ألفا)(52)، ومساجدها (ثلاثمئة ألف)، ومفتوها بالأسواق (أربعة وعشرون ألفا) ودورها (ثلاثة أيام)، ومدتها (خمسمئة سنة وشيء)، وربها: الأديان الأربعة، والثلاثة والسبعون فرقة، ودار الخلافة بها: (أحد عشر ألف طواشي، وسبعة آلاف عبد خواص من البربر والروم، ونوبة كل فراش أربعة آلاف.
12 منتهى كرم الوزراء "البرامكة" كاد ألا يوجد أحد من العلماء والحكماء والندماء والعظماء إلا وللبرامكة عليه كرم نما كماء السماء.
وتكرم "جعفر"(53 ) بخمسين ألف دينار من الذهب، وتكرر ذلك منه كثيرا(54) في ولايته كلها من غير من ولا أذى ولا انفصال ولا تخصيص ولا لغرض ولا عرض حتى صار يضرب بهم المثل الأكمل بقولهم (55): تبرمك فلان.
ومن كرم "جعفر" تكرم في يوم على ألف شاعر ببابه أعطى كل شاعر ألف درهم والدرهم: ثلاثة أنصاف .
ومن كرمه أنه تكرم على (56) من هجاه بخمسة آلاف درهم، وعفى عن تأديبه وتعذيبه.
13 منتهى الجند "الأموية": ستمئة [ألف، وعمروا الجامع الأموي بدمشق صرفوا عليه مقدار ألف كيس]، زيادة (57) على عشر مرات، وكان فيه اثني عشر ألف مرخم، واثني عشر ألف نجار.
14 منتهى نساء الخلفاء "زبيدة": جدها وزوجها وابنها خلفاء، جدها "المنصور" الذي بنى بغداد، وزوجها "هارون الرشيد"، و(ابنها "محمد الأمين")(58).
15 منتهى الفتن الإسلامية "فتنة التتار" ببغداد: قتلوا ألف(59) ألف وستمئة ألف وسدوا الدجلة بالكتب، وعلقوا الصلبان على المنابر وعلى دار الخلافة، وعلقوا المصاحف الشريفة في أعناق الكلاب، وزادوا في الفساد على " شداد بن عاد" و"فرعون ذي الأوتاد"، ونزعوا الخلافة من الإسلام(60)، وبشر وحذر وأنذر بهذه الفتنة الرسول ( (61) وكانت في سنة (656ه).
16 منتهى فتن الدنيا "فتنة الدجال": لقوله عليه الصلاة والسلام: "مابين آدم والساعة أمر أكبر من الدجال"(62)، لا يسلم منه أحد من هذه الأمة إلا اثنا عشر ألفا، وسنته الثالثة لا تنبت(63)، الأرض ذرة ولا تمطر(64) السماء قطرة.
صفحة ٦
17 منتهى الأمم هذه "الأمة المحمدية": علماؤها كأنبياء بني إسرائيل (65)، وكفى منهم: الخلفاء الأربعة وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعمر بن عبد العزيز، والأئمة الأربعة (66)، والذين اخترعوا العلوم كاختراع علي رضي الله عنه علم "النحو"، والخليل "العروض"، والإمام الشافعي، أصول الفقه"(67)، والإمام الجرجاني، المعاني والبيان".
18 منتهى الحفظ ل"ابن جرير الطبري": فريد في علم التفسير، وكان يحفظ حمل ثمانين بعيرا.
وحفظ "ابن الأنباري"، في كل جمعة ألف كراس، وحفظ ثلاثمئة ألف بيت من الشعر استشهادا من الشعر للنحو .
وكان "الشافعي" رضي الله عنه يحفظ من مرة أو نظرة .
و"ابن سينا الحكيم" حفظ القرآن في ليلة واحدة.
و"أبو زرعة" كان يحفظ ألف ألف حديث.
والكل من بعض محفوظ إمام السنة(68) "أحمد بن حنبل".
19 منتهى التصانيف في الكثرة (69) ل"ابن شاهين": صنف ثلاثمئة وثلاثين مصنفا منها، التفسير ألف جزء، والمسند ألف وخمسمئة جزء، والتاريخ مئة وخمسون مجلدا، ومداد هذه التصانيف وغيرها سبعة وعشرون قنطارا(70).
قلت: هذا من كرامة طي الزمان كالمكان من وراثة الأسرار(71) وليلة القدر.
20 منتهى الحشرات عقرب اسمها "كرور" وتسمى "الجرارة": إذا لدعت ثعبانا قدر النخلة الباسقة(72)، يذوب جسمه من لدغتها (73) تموت الأفاعي من سموم العقارب وقدر جسم هذه العقرب ثلاث أرزات موزونات في ميزان الذهب، ولدغت هذه العقر ب طست نحاس(74)، فغسل بالطين مرات، فسقطت يد الذي غسله(75)، لأنه كان لا يغسل إلا أن يوضع في النار على كور الحداد والنحاس حتى يذهب أثره بزوال جسم من النحاس.
وهذه العقارب بالكثرة في بلاد عسكر مكرم(76).
ولذغت إنسانا به الفالج (فعوفي وخلص من الفالج)(77) وربما صحت الأبدان بالعلل .
21 منتهى الحيوان "السبع": وأكثره وأكبره بالمغرب قد عجل الجاموس. إذا صرخ كأن القيامة إذا قامت، تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس (سكارى [وماهم بسكارى])(78). لم يخلق الله في قلب السبع هيبة أحد من الخلق، كأنهم عنده كالكلاب والذباب إذا غضب أو نوزع أو غولب (79) لا ينهزم أبدا، وله كرم وهمم وشيم، وشمم، وثبت قدم، ولو كان يقتل مازال ولا تحول، فهو سلطان الوحوش وخاقان أوطان الفروس(80).
صفحة ٧
22 منتهى السيول المكية: هدمت هذه السيل عام إحدى وسبعين وسبعمئة زيادة على ألف بيت، وقتلت نحو ألف نفس، وقافلة بأربعين جملا، وأكثر حيوان الجبل (81)من الغنم والبقر والجمال، ونقل السيل حجرا من الوعساء إلى "تكية الخاسكية" ما حمل الحجر إلا بأربعة وعشرين عتالا، وهدم أحجارا من الجبال، وسد "عين عرفة".
وما عرف أحد هذه السيل من المنجمين ولا المكاشفين ولا غيرهم.
وعلوه إلى قفل باب الكعبة ، وطوله وعرضه من مكة إلى المدينة إلى زبيد إلى حضر موت، ومدته من العشاء إلى الظهر، ورعده كأنما رجت الأرض رجا، وبرقه كالشمس الصاحية، وبرده أكبره كالبطيخ الصغير، وأصغره كبيض الحمام، [ولو انفتح سد خشكلدي(82)، أو أنه استمر، كانت المياه لا تبقي ولا تذر من البشر والحجر، ولكن الله دفعه كما دفع أصحاب الفيل](83)، (وشر التتر، وإذا بلى دبر)(84).
23 منتهى الفضل في هذه الأمة "لأبي بكر" رضي الله عنه.
24 ومنتهى الأمر بالمعروف ل"عمر بن الخطاب" رضي الله عنه.
25 ومنتهى علم القضاء ل "علي بن أبي طالب كرم الله وجهه"(85).
26 منتهى كتابة جمع القرآن ل"عثمان بن عفان" رضي الله عنه.
27 منتهى علم الفرائض ل"زيد بن ثابت" رضي الله عنه.
28 منتهى علم الفقه ل"معاذ بن جبل" رضي الله عنه.
29 منتهى علم التفسير ل"ابن عباس" رضي الله عنهما.
30 منتهى إظهار علم القراءة " نافع" رحمه الله.
31 منتهى علم السنة ل"مالك" رحمه الله.
32 منتهى علم القياس ل"أبي حنيفة" رحمه الله.
33 منتهى علم فقه السنة للإمام "الشافعي" رحمه الله.
34 منتهى حفظ السنة ل: "أحمد بن حنبل" رحمه الله.
35 منتهى الزهد ل"إبراهيم بن أدهم" رحمه الله.
36 منتهى العبادة للصوفية "الفضيل بن عياض" رحمه الله.
37 منتهى علم التصوف ل"الجنيد" رحمه الله(86).
38 منتهى السهر ل"السري السقطي" رحمه الله، نحو ثلاثين سنة (87)، لم يضع جنبه إلى الأرض إلا في علة الموت.(88)
39 منتهى الكتب الصحيحة ل"البخاري" رحمه الله.
40 منتهى علم الأثر ل"ابن جرير" رحمه الله.
41 منتهى الشعر ل"المتنبي" رحمه الله(89).
42 منتهى الكرم للوزراء "البرامكة".
43 منتهى الحكماء الإسلاميين كاليونانيين "الفارابي وابن سينا".
44 منتهى علم الأسماء ل"آدم عليه السلام". (90).
45 منتهى التكليم ل"موسى" عليه السلام.
صفحة ٨
46 منتهى الخلة ل"إبراهيم" عليه السلام.
47 منتهى الروحية ل"عيسى" عليه السلام.(91).
48 منتهى الفضل لنبينا "محمد" عليه الصلاة والسلام، وهم كلهم نيابة عنه صلى الله عليه وسلم (في الفضل)(92).
49 منتهى العلم اللدني للخضر عليه السلام.
50 منتهى الجمال ل"يوسف" عليه السلام، وهو شطر جمال "المصطفى" (.
51 منتهى الماء الأرضي "الطوفان" فإن علوه على الأرض فرسخ ونصف وأربعون ذراعا، ودائرته مابين المشرق والمغرب.
52 منتهى الصبر ل"أيوب" عليه الصلاة والسلام، سبعة عشر سنة وجسمه بيت الدود(93).
53 منتهى الصبر على الفراعنة ل: "أولي العزم" في الآية في قوله: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم(. (94).
54 منتهى من لبث في قومه ["نوح" عليه السلام، لبث فيهم] ألف سنة إلا خمسين عاما(95).
55 منتهى نسب الأنبياء "يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم" عليهم الصلاة والسلام.
56 منتهى البخل لقارون، بخل بالزكاة تعمدا(96)، [فحل عليه مثل قوله: ((أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا(].(97).
قال تعالى: (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، إذ قال له قومه: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين((98).
57 منتهى الاجتماع في الدنيا بين يدي موسى عليه السلام(99)، على "العصا" لقوله تعالى: (قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى((100).
فعساكر فرعون في ذلك اليوم: سبعون كرة، كل كرة مئة ألف من الجند.
وغلمانه المطوقون بالذهب والشباب ولا لاط (101)، بإجماع أهل الأديان وقوم موسى عليه السلام: ستمئة ألف وسبعون ألفا.
وجند هامان ابن عم (102) فرعون ووزيره: ألف ألف على يمينه، وستمئة ألف على يساره(103).
ومات: أربعة وعشرون ألفا لما تلقفت العصا ما يأفكون، وكانت دائرة الحلقة ثلاثة أيام كبغداد.
58 منتهى أعمال الحكماء الباقية "البرابي": في براري الصعيد، أعجب من الهرمين وأغرب علما وعملا، ومن عجائب برابي الصعيد قول ابن رافع في طائيته في ديوانه:
فهذا هو العلم الذي وضعوا له برابي إخميم وخصوا به قفطا
والبرابي: قصور شامخة كالجبال فيها العالم مصور ومنقوش ومكتوب.
فالمصور: الإنس والجن والملائكة والشياطين والحيوان.
والمنقوش: كالنبات والمعادن.
والمكتوب: كالعلوم والأعمال.
صفحة ٩
وقيل: إن تعبير تقريب ماهو مكتوب على باب بربة مدينة "دندرة"(104) بقرب قنا وقوص: "صرفنا على مطبخ العقلاء ثلاثين قنطارا فلفلا".
وغلظ كل عامود أربعة أبواع.
[وأنواع مافيها من اختراع الصنائع يعجز عن حصره أهل الاطلاع.
ومن عجائب البرابي أنك ترى الحجر الواحد قطعة واحدة قدر منارة السلطان حسن فمادون ذلك مصورة منقوشة مكتوبة.
قيل: وقالوا في بعض كتب التعريف: "لما أن دلت علومنا السماوية على فساد العالم الأرضي خشينا عليه فنقشنا على هذه الباربي ما يحتاج إليه العالم من علم الصنائع والبضائع إلى آخر الدهر".
وقيل: إن دندر بن قفط بن إخميم بن مصر بن سام بن نوح عليه السلام، صاحب البربة المشهورة ب"بربة دندر"، اتخذ تنورا من نحاس يرى فيه مايحدث كل يوم، فمما رأى وقوف النيل سبع سنين في زمن يوسف عليه السلام. وبشر الحكيم قومه وأنذرهم من قبل فحفر في الأرض ما يحتاج أن يزرعه قمحا بلا زيادة نيل، وخزنه وانفرد بهذا في زمانه، ولم يمت له من الجوع أحد، وانفرد بحسن هذه البربة كأنها عروس منقوشة مع أنها كجبل عظيم، وهي محررة مسطرة مبتكرة]. (105).
قال بعض القضاة من نياب السلطنة: لو اجتمع الآن كل سلطان في هذا الزمان ، وصرفوا جميع أموالهم على عمالهم لن يستطيعوا أن يصوروا مثل هذا من خشب ولا طين، فكيف وهذه من حجر كبير منقوش ومفروش ومكتوب ومصور؟..
قال بعضهم: والذي أقوله والله أعلم : إن هذه البرابي تصديق تعبير قصص موسى عليه السلام، لقوله تعالى: (وجاؤوا بسحر عظيم((106). وهذا من نهاية دوام تصديق الإعجاز، وكيف موسى غلب على هؤلاء الذين أثاروا الأرض وعمروها أكثر مماعمروها، وماكان هذا إلا بأمر رب العالمين رب موسى وهارون، وإن الذين يتعجبون من سد الدجلة بكتب بغداد لو رأوا برابي الصعيد والعلوم المكتوبة فيها كيف يكون تعجبهم؟.. وليس الخبر كالعيان، وإني متعجب من قول أصحاب العجائب:"إن أعجبها الهرمين"، مع أن أقل برابي الصعيد بإجماع من شاهدها من أهل الكونين، أجل وأكمل من عجائب الهرمين!. مع أن باني الهرمين قيل إنه من أصحاب البرابي، ولكن هذا على قدر ما اطلعوا(107).
وما شهدنا إلا بما علمنا، وفوق كل ذي علم عليم، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وإلى ربك المنتهى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تمت الرسالة المباركة
***
صفحة ١٠