فلا شك أن الطبيعة النوعية لموضوعات العلوم الإنسانية - ولعلم الاجتماع بالذات - تفتح الباب لتدخل الحس المشترك، حتى يذهب ميردال إلى أن العلم الاجتماعي لا يعدو أن يكون حسا مشتركا على درجة رفيعة من الصقل والإحكام، ومن ثم يشارك العلماء الاجتماعيون سائر الناس في تصوراتهم عن الواقع، ويفرق ميردال بين نمطين من التصورات هما الاعتقادات
beliefs
والتقويمات. ويمتزج النمطان في آراء
Opinions
الناس ومنهم العلماء، رغم اختلاف الفحوى المنطقية لكل منهما. فالنمط الأول - أي الاعتقادات: عقلي عرفاني، النمط الثاني - أي التقويمات: انفعالي لا إرادي.
41
وعمق هذا التداخل بين العلم وبين الحس المشترك يبرز هو الآخر مدى الاحتياج لمحك يفصل بحسم بين ما هو علمي، وما هو لا علمي. ومن أي زاوية «يجب أن نميز في قضايا العلوم الإنسانية بين ما يخص العلم، وما يخص غيره.»
42
والخلاصة أننا ننتهي الآن إلى أن الطريق نحو حل مشكلة العلوم الإنسانية يتطلب التمييز بين ما هو علمي يتعلق بالمحتوى المعرفي، وما هو لا علمي يتعلق بأيديولوجيا، أو فلسفة، أو تقويم، أو إسقاطات، أو رأي شائع ... على ألا يتم التمييز بطريقة مباشرة؛ أي ليس بالوعي والتصريح بما هو غير علمي، بل بجعله عاجزا عن التدخل المباشر في القضية العلمية، ولن يكون ذلك إلا بصياغة قضايا العلوم الإنسانية على النحو الذي لا يجعل الحكم عليها معتمدا على مقاييس الأيديولوجيا، أو الفلسفة، أو سواهما، ومعنى هذا أن تطوع القضية العلمية في بحوث العلوم الإنسانية لشروط صياغة الفرض العلمي الذي يقبل المواجهة مع الواقع، من حيث المبدأ، وكل ما لا يقبل هذا التطويع يظل خارج المحتوى العلمي، حتى يجد طريقه فيما بعد لهذا التطويع، وهنا يمكن أن نبدأ الطريق نحو حل مشكلة العلوم الإنسانية.
43
صفحة غير معروفة