مشكل الحديث وبيانه
محقق
موسى محمد علي
الناشر
عالم الكتب
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٩٨٥ هجري
مكان النشر
بيروت
تصانيف
علوم الحديث
ذكر تَأْوِيل ذَلِك
أعلم أَن النَّبِي ﷺ إِنَّمَا خَاطب الْعَرَب على لغاتها وَالْمَفْهُوم من خطابها على عاداتها الْجَارِيَة فِيمَا بَينهم وَالْعرب تَقول عِنْد وصف الرجل بِالْقُدْرَةِ وَالْقُوَّة عِنْد إِنْفَاذ الْأَمر
فعلت ذَلِك بساعدي وبقوة ساعدي وَلَا يُرِيد بذلك إِثْبَات الساعد دون الْوَصْف بِالْقُدْرَةِ وَالْقُوَّة أَلا ترى أَن الرجل إِذا قَالَ أَجمعت هَذَا المَال بِقُوَّة ساعدي وَإِنَّمَا يُرِيد أَنه جمع المَال بِرَأْيهِ وتدبيره وقوته دون الْمُبَاشرَة بالساعد وَالْغَرَض من هَذَا الْكَلَام مَعْلُوم وَالْخطاب بِهِ مُسْتَقِيم وَالْمعْنَى مَفْهُوم
وَكَذَلِكَ قصد النَّبِي ﷺ بقوله ساعد الله أَشد من ساعدك أَي أمره أَشد من أَمرك وَقدرته أتم من قدرتك على الْعَادة الَّتِي عرفت الْعَرَب فِي خطابها إِذا تَكَلَّمت بِمثل هَذَا الْخطاب لَا على إِثْبَات الساعد الَّذِي هُوَ الْجَارِحَة للقديم جلّ ذكره وَهَذَا نَظِير مَا ذكرنَا فِيمَا قيل أَن الْعَرَب تسمى مَحل الشَّيْء بإسم مَا فِيهِ من طَرِيق الْقرب كَمَا سمت الْبَصَر عينا والسمع أذنا فَسمى الْقُدْرَة ساعدا وَإِن كَانَ الساعد محلا للقدرة
فَأَما قَوْله ﷺ وموساه أحد من موساك
فَهَذَا تَحْقِيق مَا ذكرنَا من التَّأْوِيل فِي أَن المُرَاد بِهِ التَّمْثِيل وَتَحْقِيق الْوَصْف بِالْقُدْرَةِ لَا إِثْبَات الْجَارِحَة لِأَن الموسى لما كَانَت آلَة للْقطع وَكَانَ مُرَاده ﵊ أَن قطعه أسْرع من قَطعك عبر عَن الْقطع بِالْمُوسَى إِذْ كَانَت سَببا لَهُ على مَذْهَب الْعَرَب فِي تَسْمِيَة الشَّيْء بإسم مَا يجاوره وَيقرب مِنْهُ وَيتَعَلَّق بِهِ وَإِذا كَانَ
1 / 257