وكما الطفل في طور المرآة يختال بانعكاس صورته المثالي، ينخدع العاطفي في صورة مفخمة لنفسه في ذهابه لمساعدة شخص آخر، فالآخر ما هو إلا مرآة لسروره الذاتي؛ فشخصية يوريك في رواية ستيرن «رحلة عاطفية» - بعبارة بايرون عن كيتس - يستثير خياله على الدوام متصورا مواقف أليمة ليتلذذ بنشوة الشفقة. وفي الوقت الذي لا يرى فيه أنصار مذهب الخير سوى الشيء الذي يستهدفه إحسانهم، فإن العاطفيين ينظرون في فعلهم على استحياء إلى استجابة الآخرين التي تنم عن الإعجاب بهم، فهم رجال ذوو ثروة عاطفية كبيرة يستثمرون مشاعرهم النبيلة آملين، كالمضارب في سوق المال، في الحصول على عائد سخي.
42
وهم من هذا المنطلق يشبهون النرجسيين في الوقت المعاصر - الموجودين في الغالب في الولايات المتحدة - الذين يتعاملون مع أجسادهم بكل اليقظة والحرص، كمن تحمل معها تحفة تبلغ من القيمة وإثارة الاشمئزاز والهشاشة ما لا يمكن وصفه. ويذكر هذا بشخصية ديكنز المنافقة: السيد بيكسنيف الذي يدفئ يديه بالنار بنفس الحرص كما لو كانت يدي شخص آخر؛ فالنرجسية - كالنظام الخيالي - تتضمن معاملة النفس كمعاملة الآخر، وكذلك معاملة الآخر كمعاملة النفس.
هوامش
الفصل الثاني
فرانسيس هتشسون وديفيد هيوم
في معظم الكتابات التي تناولت فلسفة القرن الثامن عشر، ليس لفرانسيس هتشسون مكانة كبيرة مثل الفيلسوف العظيم ديفيد هيوم،
1
إلا أن هذا الرجل القادم من أولستر الذي يعد أبا الفلسفة الاسكتلندية علم هيوم كثيرا مما عرف، كما كان له عميق الأثر في الكتابات قبل النقدية لإيمانويل كانط، كما اعتنق تلميذه آدم سميث مذهبه الاقتصادي، وهو ما ساعد على وضع أسس العالم الحديث. وبوصفه جمهوريا من أتباع هارنجتون حتى النخاع تبنى اتجاها ليبراليا راديكاليا يقف في صف المقهورين للإطاحة بالسلطة الظالمة؛ فقد كان له تأثير كبير في توماس جيفرسون، وبذلك أصبح مشاركا فكريا رياديا في الثورة الأمريكية. وكان كتابه «مقدمة قصيرة عن الفلسفة الأخلاقية» يصدر بانتظام إلى أمريكا عشية الثورة، ونشرت نسخة أمريكية من النص في عام 1788.
أعيد تصدير أفكار هتشسون إلى موطنه أيرلندا في أفكار جمعية الأيرلنديين المتحدين ذات النزعة التمردية. وربما تأثر إدموند بيرك هو الآخر ببعض كتاباته، وهو ما يجعله رائدا من بعيد للقومية الرومانسية، إلا أنه كان من كبار من حملوا شعلة التنوير في أولستر، وهي أكثر الثقافات الراديكالية ثراء من بين ما شهدته أيرلندا، بمزيجها القوي من مذهب لوك العقلي والمذهب الجمهوري الكلاسيكي والمذهب المشيخي الراديكالي والليبرتارية السياسية. قال هتشسون، باعتباره غريما عنيدا لتوماس هوبز، إن حالة الطبيعة كانت أميل للحرية أكثر من الفوضى. ونادى بالمساواة الطبيعية بين كل البشر، وكان إنسانويا مدنيا ذا صبغة تقليدية، وآمن بأن المصلحة العامة هي أسمى غاية أخلاقية؛ إلا أن أكثر إنجازاته تجديدا هو ترجمته للغة المذهب الجمهوري الكلاسيكي - بحديثها عن الواجب وروح الخدمة العامة والمسئولية السياسية - إلى الخطاب المختلف تماما، الخاص بالأخلاق وعلم النفس في القرن الثامن عشر. وناصر حقوق المرأة والطفل والخدم والعبيد والحيوانات، وتحدث عن الزواج باعتباره علاقة شراكة متكافئة، وذكر أن «السلطات الممنوحة للأزواج بموجب القوانين المدنية في عدة بلاد سلطات وحشية.»
صفحة غير معروفة