وفي مقال بعنوان «العدل والجود» يصر جولدسميث على أن الجود الحقيقي ليس مجرد نزوة من الشعور الجيد بل واجبا يحمل في طياته صرامة القانون بكاملها، فهو قانون يفرضه علينا العقل «الذي ينبغي أن يكون القانون الحاكم للكائن المفكر.»
38
إن اللغة الكانطية كاشفة؛ إذ يريد جولدسميث أن يهدم التناقض بين الحب والقانون بتحويل الأول إلى التزام، وهو في هذا يتفق مع العهد الجديد الذي فيه الحب أمر لا اختيار؛ فالحب في العقيدة المسيحية اليهودية لا علاقة له بشعور الآخر، فإن اعتمدت على عواطفك فسيؤدي ذلك بك إلى عدم الرحمة إلا مع الذين يتصادف أنك تهتم لأجلهم أو فقط عندما تشعر برغبة في ذلك. إن الأخلاق المسيحية اليهودية التي قد يكون المحبوب فيها غريبا أو عدوا من هذا المنظور ليست - كما سنرى - ذات طبيعة خيالية؛ فالخصومة المتأصلة في العهد الجديد تجاه العائلة تتوافق مع انحيازه المضاد للنظام الخيالي. وهذا لا شك أحد أسباب النجاح الساحق لرواية دان براون «شفرة دافنشي»، وهي تحفة أدبية لعينة الأسلوب يتزوج المسيح فيها مريم المجدلية وينجب طفلا. إن نظرة العهد الجديد الفضفاضة تماما تجاه الجنس - بما يتعارض مع رؤى معظم الورعين المتمسكين به على مر العصور - فاضحة بكل وضوح في نظر عصر ما بعد الحداثة المهووس بالجنس. وعليه، كان من الواجب إدخال سرد جنسي مثير في النص، إن أريد له أن يحظى بأقل درجات الاهتمام المعاصر.
يأمل أنصار مذهب الخير ألا يستمروا في شعورهم بعدم الارتياح للشفقة بسبب الذهاب لمساعدة الضحية التي سببت هذا الشعور، أما العاطفيون فهم أقل تطلعا للتخلي عن أحاسيسهم السادية المازوخية المريحة من خلال تضميد جروح الآخرين. يشير شافتسبري إلى أن الشفقة المفرطة قد تمنعنا فعلا من مساعدة الآخر؛
39
إذ يرى أنه من الممكن الإفراط في الحب، أو الحب الجنوني، وهو مفهوم كان سيراه ريتشارد ستيل فظا بلا شك. ويكتب الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد فورديس عن أن العاطفي يجد «نوعا من الألم اللذيذ» في بؤس الإنسان، ألم يتحول إلى «سرور ورضا عن الذات».
40
فكما لا يرجى من الرغبة في وضع نظرية نفسية تحليلية سوى الاستمرار في الرغبة، فإن أكثر ما يشعر به العاطفي هو الحاجة للشعور. وقد اعتبر بعض المحسنين المعاصرين أن الفقر والتعاسة والفروق الطبقية وما شابه هي فرص نزلت من السماء لممارسة الإحسان؛ فالشفقة والمواساة هما دائما استجابتان لاحقتان تشيران إلى أن الفاجعة قد وقعت فعلا. وهذا بلا شك مكمن القوة السياسية لبيت ويليام بليك الشعري العاطفي بالغ الافتعال «ذرف الدموع لرؤية دموع طفل» في مجموعته الشعرية «أغاني التجربة». فالعالم ثابت، وحريتنا تكمن فقط في الاستجابة السلبية لجوانبه الغير المتغيرة. أما عند فلاسفة الحس الأخلاقي الذين يرون أن التعاطف شيء لا إرادي، فحتى استجابتنا لبؤس الإنسان ليست اختيارية.
في غالب الأمر، يتعلق الخير بالضحك بينما تتعلق العاطفة بالبكاء، فالعاطفة هي في الحقيقة تعاطف الشخص مع فعل التعاطف لديه، وهي علاقة آكلة لذاتها، يختزل فيها العالم إلى كمية كبيرة من المادة الخام لشهوة الإحساس لدى الفرد، أو إلى مناسبات عديدة لإظهار سماحة الفرد الأخلاقية. ولذلك يمكنك أن تستبدل الأشياء التي تتعلق بعواطفك من لحظة لأخرى مع الالتفات بالكاد لقيمتها؛ فهي نوعية الشعور الملائمة لغير الغارقين في العاطفة في الحياة اليومية؛ ومن ثم لا يسعهم إلا تقديم صورة مسرحية مبالغ فيها منها في المواقف النادرة التي تستدعي إظهارهم إياها. وهذا لا شك أحد الأسباب وراء نشيج الساسة الأمريكيين لا إراديا على الملأ؛ فالعاطفي يتباهى بمشاعره الجذابة مثل غيرها من الأشياء التي يمتلكها؛ فهي مثل دخله السنوي أو أطيانه جزء مما يؤمن له نافذة على المجتمع الراقي. ويشير جون مولان ببراعة إلى أن «حدة أي تجربة شعورية خاصة كانت بديلا (في القرن الثامن عشر) لمشاعر التعاطف الشائعة والسائدة.»
41
صفحة غير معروفة