بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على امام المهتدين قائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم باحسان إلى يوم الدين والعاقبة للمتقين ولا عدوان الا على الظالمين
صفحة ٣
مسائل الاوامر
مسألة اذا وردت صيغة ( أفعل ) من الاعلى إلى من هو دونه متجردة عن القرائن فهي أمر وقالت المعتزلة لا يكون أمرا الا بارادته الفعل وقالت الاشعرية ليست للامر صيغة وصيغة أفعل لا تدل عليه الا بقرينة وانما الامر معنى قائم بالنفس وقال ابن برهان ارادة المتكلم بالصيغة لا خلاف في اعتبارها حتى لو صدرت من مجنون أو نائم أو ( ساه ) لم يكن أمرا ( وأما ارادة كونها أمرا ) فاعتبره المتكلمون من أصحابنا ليصرف ( اللفظ بها ) عنها من جهة الاعذار والانذار والتعجيز والتكوين أو يعبر بها عن ا لمعنى القائم بالنفس قال وقال الفقهاء من أصحابنا لا يشترط ذلك بل اللفظ باطلاقه وتجرده عن القرائن يصرف إلى الامر ولا يصرف إلى غيره الا بقرينة ز ه
فصل
الآمر بالامر بالشيء ليس آمرا به مع عدم الدليل عليه ذكره الرازي والمقدسي
صفحة ٤
مسألة الأصل في الامر الوجوب نص عليه في مواضع وبه قال عامة المالكية وجمهور الفقهاء والشافعي وغيره وقالت المعتزلة وبعض الشافعية الاصل فيه الندب وقال أكثر الاشعرية وشيخهم هو على الوقف بينهما اذا ثبت الاستدعاء وقال قوم الاصل فى صيغة الامر مجردة الاباحة وقد نقل الميموني عن أحمد أنه قال الامر أسهل من النهي ونقل عنه علي بن سعيد ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عندي أسهل مما نهى عنه فيحتمل أنه أراد أنه على الندب وهو بعيد لمخالفته منصوصاته الكثيرة ويحتمل وهو الاظهر أنه قصد أنه أسهل بمعنى أن جماعة من الفقهاء قالوا بالتفرقة بأن الامر للندب والنهي للتحريم والنهي على الدوام والامر لا يقتضي التكرار وزعم أبو الخطاب أن هذا يدل على أن اطلاق الامر يقتضي الندب قال والد شيخنا وقد ذكر أصحابنا رواية الميموني وعلي بن سعيد عن الامام أحمد رحمه الله بأن الامر أسهل من النهي فهل يجوز جعلها رواية عنه ينبنى ذلك على أصلين من أصول المذهب على ما هو مقرر فى موضعه أحدهما أن الامام اذا سئل عن مسألة فأجاب فيها بحظر أو اباحة ثم سئل عن غيرها فقال ذلك أسهل وذلك أشد أوقال كذا أسهل من كذا فهل يقتضي ذلك المساواة بينهما فى الحكم أم الاختلاف أختلف فى ذلك الاصحاب فذهب أبو بكر غلام الخلال إلى المساواة بينهما فى الحكم وقال أبو عبد الله بن حامد يقتضي ذلك الاختلاف لا المساواة الاصل الثاني اذا رويت عنه رواية تخالف أكثر منصوصاته فهل يجوز جعلها مذهبا له ( أم لا ) فذكر أبو بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز إلى أنها ليست مذهبا له وذهب ابن حامد إلى أنه لا يطلق ذلك وان كان دليلها أقوى قدمت
فتحرر من ذلك أن لاصحابنا في اثباتها رواية أعني رواية الميموني وعلى ابن سعيد فى الامر طريقين فطريقة أبي بكر نفيها في الاصلين وهو الاولى في مسألة الامر خصوصها لضعف دليلها ومخالفتها لاكثر العلماء وأكثر منصوصاته وطريقة ابن حامد اثباتها في الاصلين وهو حسن والله أعلم وذهب أبو الحسين البصري وجماعة من المعتزلة إلى أنها للوجوب كقولنا قال ابن برهان هو قول الفقهاء قاطبة
صفحة ٥
مسألة لفظ الامر اذا أريد به الندب فهو حقيقة فيه على ظاهر كلامه واختار أكثر أصحابنا القاضي وابن عقيل وهو نص الشافعي حكاه أبو الطيب وقال هو الصحيح من مذهبه وقالت الحنفية الكرخي والرازي هو مجاز واختاره عبد الرحمن الحلواني من أصحابنا وعن الشافعي كالمذهبين ( ز ) وللمالكية وجهان والثاني اختيار أبي الطيب لما أفرد المسألة وحكاه أبو الطيب في أوائل كتابه عن نص الشافعي أنه مأمور به بخلاف قوله لما أفرده مسألة واختاره ابن عقيل وقال هو قول أكثر أهل العلم من الاصوليين والفقهاء
مسألة وان أريد به الاباحة فعندي أنه مجاز وهو قول الحنفية والمقدسي واختيار ابن عقيل وقال هو قول أكثر أهل العلم من الاصوليين وذكر أبو الخطاب أن هذه المسألة من فوائد الامر هل هو حقيقة في الندب فيجىء فيها الوجهان لنا وقال القاضي يكون حقيقة أيضا وحكى عن الشافعية كالمذهبين وهو مقتضى كلام القاضي في مسألة الامر بعد الحظر وحكى ابن عقيل أن الاباحة أمر وأن المباح مأمور به عن البلخي وأصحابه والاول أصح وهو للمقدسي في أوائله فى قسمة المباح
فصل
التحقيق فى مسألة أمر الندب مع قولنا ان الامر المطلق يفيد الايجاب أن يقال الامر المطلق لا يكون الا ايجابا وأما المندوب اليه فهو مأمور به أمرا مقيدا لا مطلقا فيدخل فى مطلق الامر لا فى الامر المطلق يبقى أن يقال فهل يكون حقيقة أو مجازا فهذا بحث اصطلاحي وقد أجاب عنه أبو محمد البغدادي بأنه مشكك كالوجود والبياض وأجاب القاضي بأن الندب يقتضي الوجوب فهو كدلالة العلم على بعضه وهو عنده ليس مجازا وانما المجاز دلالته على غيره
قال شيخنا رضي الله عنه قلت الندب الذى هو الطلب غير الجازم جزء من الطلب الجازم فتكون فيه الاقوال الثلاثة التي هي في العام يفرق في الثالثة بين القرينة اللفظية المتصلة كقولك من فعل فقد أحسن وبين غيرها
صفحة ٦
فصل
ذكر القاضي وغيره فى ضمن المسألة أن المندوب طاعة فوجب أن يكون مأمورا به كالواجب وسائر كلامه فى المسألة يقتضي أن كل مندوب اليه فهو مأمور به حقيقة وهذا قول أبي محمد وهو غير قولنا المأمور به ندبا مأمور به حقيقة فان هذا أخص من الاول وكلام الامام أحمد فى اطلاق الامر على ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أمر ندب دليل على أنه ليس كل ما بعد قربة فقد أمر به حقيقة وهذا أصح فيصير فى المسألتين ثلاثة أقوال وقد ذكر القاضي أيضا فى موضع آخر أن المرغب فيه لا يكون مأمورا به وان كان طاعة فصار أيضا فى المرغب فيه من غير أمر هل يسمى طاعة وأمرا حقيقة ثلاثة أقوال الثالث أنه طاعة وليس بمأمور به
فصل
قال القاضي كون الفعل حسنا ومرادا على الوجوب ما لم يدل دليل على التخيير وفى النوافل والمباحات قد ذكر الدليل فلهذا لم يقتض الوجوب قال وجواب آخر أنا لا نسلم أن الامر يدل على حسن المأمور به وانما يدل على طلب الفعل واستدعائه من الوجه الذى بينا وذلك يقتضي الوجوب وهذا هو الجواب المعول عليه
قال شيخنا قلت فيه فائدتان احداهما نفي الاول والثانية قوله يدل على الطلب والاستدعاء فجعله مدلول الامر لاغير الامر ( زد )
فصل
قال الرازي ليس من شرط الوجوب تحقق العقاب على الترك هذا هو المختار وهو قول القاضي أبي بكر خلافا للمعتزلة
صفحة ٧
مسألة فى أن للامر صيغة حقق الجويني صحة هذه العبارة على كلا المذهبين مذهب مثبتي كلام النفس ومذهب نفاته فقولنا صيغة الامر عند من أثبته فمعناه أن لهذا المعنى صيغة عبارة تشعر به وأما من نفاه فقولهم صيغة الامر كقولك ذات الشيء ونفسه وآيات القرآن وأن الاشعرية القائلين بالوقف اختلفوا في تنزيل مذهبه فمنهم من قال الصيغة مشتركة وضعا ومنهم من قال المعنى بالوقف أنا لا ندري على أي وضع جرى قول القائل افعل فى اللسان فهو اذا مشكوك فيه ( ز ) ومنع ابن عقيل أن أن يقال للامر والنهي صيغة أو أن يقال هى دالة عليه بل الصيغة نفسها هى الامر والنهي والشيء لا يدل على نفسه قال وانما يصح هذا على قول المعتزلة الذين يقولون الامر والنهي والارادة والكراهة والاشاعرة الذين يقولون هما معنى قائم فى النفس والصيغة دالة على ذلك المعنى وحكاه عنه وأما أصحابنا فإني تأملت المذهب فاذا به يحكم بأن الصيغتين أمر ونهى قال فقول شيخنا الصيغة دالة بنفسها على الامر والنهي اتباع لقول المتكلمين والا فليس لنا أمر ونهي غير الصيغة بل ذلك قول وصيغة والشيء لا يدل على نفسه
قال شيخنا أبو العباس حفيد المصنف قلت قول القاضي وموافقيه صحيح من وجهين أحدهما أن الامر مجموع اللفظ والمعنى فاللفظ دال على التركيب وليس هو عين المدلول الثاني أن اللفظ دال على صيغته التى هى الامر به كما يقال يدل على كونه أمرا ولم يقل على الامر
فصل
صفحة ٨
حقق ابن عقيل صيغة الامر على مذهب أهل السنة ومذهب الاشعرية فى أول كتابه فى الحدود وفى مسائل الخلاف وقال الفخر اسماعيل فى حد الامر انه خطاب أصلي يستدعي به الاعلى من الادنى فعلا وذكر لاشتراط الاصالة فوائد فلينظر وحاصل قول ابن عقيل أن نفس الايجاب الذي هو استدعاء الاعلى من الادنى على وحه الحتم والتضييق لا يقبل التزايد والتفاضل كسائغ وجائز ولازم وقولنا في الخبر صادق وكاذب وفى الصفات عالم فان ذلك كله لما انتظم حد واحد وكان حقيقة واحدة فلا يقال أعلم وأصدق وأكذب وكما لا يمكن أن تكون معرفة المعلوم على ما هو به أمرا يتزايد كذلك الاستدعاء ونسلم اختلافه بحسب الثواب والعقاب لتعدد المحل كاختلاف العلم بالنسبة إلى المعلومات وسلم له العماد أن الصدق على الشيء الواحد أو الكذب لا يتفاوت ومنعه في العلم والمعرفة بناء على مسألة الايمان وذكر في حجة المخالفة صحة التفاضل بقولهم أحب وأحسن وأبغض وأقبح وأنه لا خلاف أنه يحسن أن يقال الظلم صفة أقبح الزيادة وادعى أيضا أن حقيقة الطهارة والسكون وكون الشيء سنة لا تقبل الزيادة بخلاف الحموضة والحلاوة وأما التزايد بحسب المفعول أو الامر وهو التعلق فلا خلاف فيه وقد يسلم قولهم أصدق باعتبار خبرين وكثرة الصدق وقلته ويسلم أيضا أوجب بمعنى زيادة الثواب والعقاب وهو يمنع التفاضل فى نفس الصفة المتعلقة وتسمية التعلق وهذا ضعيف والصواب أن جميع الصفات المشروطة بالحياة تقبل التزايد وكذلك غير المشروطة بالحياة تقبل التزايد ولنا فى المعرفة الحاصلة فى القلب فى الايمان هل تقبل الزيادة والنقص روايتان والصحيح فى مذهبنا ومذهب جمهور أهل السنة امكان الزيادة في جميع هذا الباب وذلك أمر يجده الانسان من نفسه عند التأمل
فصل
ولا بد فى أصل الصيغة المطلقة من اقترانها بما يفهم منه المأمور أن مطلقها ليس بحاك عن غيره ولا هو كالنائم ونحوه
فصل
صفحة ٩
ذكر القاضي فى كتاب الروايتين والوجهين خلافا فى الوقف فى الظواهر فى المذهب فقال هل للامر صيغة له مبينه فى اللغة تدل بمجردها على كونه أمرا اذا تعرت عن القرائن أم لا نقل عبد الله عنه فى الآية اذا جاءت عامة مثل
ﵟوالسارق والسارقة فاقطعوا أيديهماﵞ
وأن قوما قالوا يتوقف فيها فقال أحمد قال الله تعالى
ﵟيوصيكم الله في أولادكمﵞ
فكنا نقف لا نورث حتى ينزل أن لا يرث قاتل ولا مشرك ونقل صالح أيضا فى كتاب طاعة الرسول قال وقال
ﵟوالسارق والسارقة فاقطعوا أيديهماﵞ
فالظاهر يدل على أن من وقع عليه اسم سارق وان قل وجب عليه القطع حتى بين النبي صلى الله عليه وسلم القطع فى ربع دينار وثمن المجن فقد صرح بالاخذ بمجرد اللفظ ومنع من الوقف فيه وهذا يدل على أن له صيغة تدل بمجردها على كونه أمرا وقال فى رواية أبي عبد الرحيم الجوزجاني من تأول القرآن على ظاهره بلا أدلة من الرسول ولا أحد من الصحابة فهو تأويل أهل البدع لان الآية قد تكون عامة قصدت لشيء بعينه ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المعبر عن كتاب الله تعالى وقال فقد منع من الاخذ بظاهر الآية حتى يقترن ببيان الرسول فظاهر هذا أنه لا صيغة له تدل بمجردها على كونه أمرا بل هو على الوقف حتى يدل الدليل على المراد بها من وجوب أو ندب والمذهب هو الاول وأن له صيغة تدل بمجردها على كونه أمرا ولا يجب الوقف وقد صرح به في مواضع كثيرة من كلامه فى مسائل الفروع
صفحة ١٠
قلت قال الشيخ أولا نصوص أحمد انما هي في العموم لا فى الامر لكن القاضي اعتبر جنس الظواهر من الامر والعموم وغيرهما وهو اعتبار جيد من هذا الوجه فيبقى أنه قد حكى عن أحمد رواية بمنع التمسك بالظواهر المجردة كما حكى عنه رواية بالقياس بمنع التمسك بالمعاني المجردة وقد جمعهما فى قوله ينبغي للمتكلم فى أمر الفقه أن يجتنب هذين الاصلين المجمل والقياس ومن أصحابنا من يدفع هاتين الرواتين ويفسرهما بما يوافق سائر كلامه فيكون مقصوده أحد شيئين اما منع التمسك بالظواهر حتى تطلب المفسرات لها من السنة والاجماع كما هو احدى الرواتين المعروفتين واما منع الا كتفاء بها وحدها مع معارضة السنة والاجماع كما هو طريقة كثير من أهل الكلام والرأي أنهم يدفعون السنة والاثر بمخالفة ظاهر القرآن ولهذا صنف رسالته المشهورة فى الرد على من اتبع الظاهر وان خالف السنة والاثر وهذا المعنى لا ريب أنه أراده فانه كثير فى كلامه وقد قصد اليه بوضع كتاب والمعنى الذى قبله قريب من كلامه فيحكى حينئذ فى اتباع الظواهر ثلاث روايات احداهن اتباعها مطلقا ابتداء الا أن يعلم ما يخالفها ويبين المراد بها والثاني لا تتبع حتى يعلم ما يفسرها وهو الوقف المطلق ولا أبعد أنه قول طائفة من المحدثين كما في القياس وكذلك حكى أبو حاتم فى اللامع أن أكثر ظواهر القرآن تدل على الاشياء بأنفسها ومن الناس من قال كل شيء منه محتاج إلى تفسير الرسول والائمة التى أخذت عن الرسول والثالث وهو الاشبه بأصوله وعليه أكثر أجوبته أنه يتوقف فيها إلى أن يبحث عن المعارض فاذا لم يوجد المعارض عمل بها وهذا هو الصواب ان شاء الله كما اختاره أبو الخطاب
ثم ان هنا لطيفة وهي أن أحمد لم يقف لاجل الشك فى اللغة كما هو مذهب الواقفة فى الامر والعموم وقد سلم الظهور فى اللغة ولكن هل يجوز العمل بالظن المستفاد من الظواهر والاقيسة هذا مورد كلامه فتدبره ففرق بين وقف لتكافؤ الاحتمالات عنده وان سلم ظهور بعضها فى اللغة لكن لان التفسير والبيان قد جاء كثيرا بخلاف الظهور اللغوي اما لوضع شرعي أو عرفي أو لقرائن متصلة أو منفصلة فصاحب هذه الرواية يقف وقفا شرعيا والمحكى خلافهم فى الاصول يقفون وقفا لغويا ثم قال
صفحة ١١
مسألة اذا ثبت أن له صيغة مبنية له تدل بمجردها على كونه أمرا فهل يدل اطلاقها على الوجوب أم لا نقل عنه أبو الحارث اذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب العمل به فظاهر هذا أنه يقتضي الوجوب قلت يقتضي وجوب العمل به على ما اقتضاه من ايجاب أو استحباب أو تحريم
قال وكذلك نقل صالح عنه فيمن صلى خلف الصف وحده قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا صلى خلف الصف أن يعيد الصلاة وكذلك نقل عنه إبراهيم بن الحارث اذا أخرج القيمة فى الزكاة أخشى ألا يجزئه لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكذا ونقل صالح فى كتاب طاعة الرسول فى قوله
ﵟوأشهدوا إذا تبايعتمﵞ
بالظاهر يدل على أنه اذا ابتاع شيئا أشهد عليه فلما تبايع الناس وتركوا الاشهاد استقر حكم الآية على ذلك ونقل الميموني عنه وقد سئل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا ) فقال الامر أسهل من النهي وكذلك نقل علي بن سعيد قال ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فهو عندي اسهل مما نهى عنه فقال فقد غلظ فى النهي وسهل فى الامر وظاهر هذا يمنع من الوجوب وأنه على الندب قلت بل يقتضي أن الامر بالشيء ليس نهيا عن ضده وذكر القاضي النهي محل وفاق فى المذهب فى اقتضائه التحريم
فصل
وذكر القاضي أن الكتابة والاشارة لا تسمى أمرا يعنى حقيقة ذكره محل وفاق وقد ذكر فى موضع آخر أن الكتابة عندنا كلام حقيقة وأظنه فى مسألة الطلاق بالكتابة
صفحة ١٢
فصل
وذكر القاضي هل يجىء الاستفهام عن الامر المجرد هل هو واجب أو مستحب فيه منع وتسليم
فصل
ذكر القاضي من ألفاظ أحمد التي أخذ منها أن الامر عنده على الوجوب قال فى رواية أبي الحارث اذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب العمل به قلت دلالة هذا ضعيفه
وقال في رواية مهنا وذكر له قول مالك فى الكلب يلغ فى الاناء لا بأس به فقال ما أقبح هذا من قوله قال رسول الله الله صلى الله عليه وسلم ( يغسل سؤر الكلب سبع مرات ) ونقل صالح عنه فيمن صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة وهذا كثير فى كلامه وقال فى كتاب طاعة الرسول
ﵟوأشهدوا إذا تبايعتمﵞ
فالظاهر يدل على أنه اذا ابتاع شيئا أشهد فلما تأول قوم من العلماء
ﵟفإن أمن بعضكم بعضاﵞ
استقر حكم الآية على ذلك قلت هذه الرواية نص فى أن ظاهر افعل هو الامر
صفحة ١٣
وقال مسألة الامر اذا لم يرد به الايجاب وانما أريد به الندب فهو حقيقة فى الندب كما هو حقيقة فى الايجاب نص عليه أحمد فى رواية ابن إبراهيم فقال آمين أمر من النبي صلى الله عليه وسلم ( فاذا أمن القارىء فأمنوا ) فهو أمر من النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك نقل الميموني عنه اذا زنت الامة الرابعة قال عليه أن يبيعها والا كان تاركا لامر النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك نقل حنبل عنه يقاد إلى المذبح قودا رفيقا وتورى السكين ولا تظهر عند الذبح أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت أما رواية الميموني فدلالتها على أن الامر عنده للوجوب أظهر فان فتياه تدل على أنه أوجب البيع لاجل الامر
مسألة واذا صرف الامر عن الوجوب جاز أن يحتج به على الندب أو الاباحة وبه قال بعض الحنفية وبعض الشافعية ( ز ) ومنهم الرازي وبعضهم قال لا يحتج به كذا حكاه القاضي وكذلك اختاره ابن برهان ولفظه الامر اذا دل على وجوب فعل ثم نسخ وجوبه لا يبقى دليلا على الجواز بل يرجع إلى ما كان عليه خلافا للحنفية وكذلك أختاره أبو الطيب الطبري ولفظه اذا صرف الامر عن الوجوب لم يجز أن يحتج به على الجواز قال لان اللفظ موضوع لافادة الوجوب دون الجواز وانما الجواز تبع للوجوب اذ لا يجوز أن يكون واجبا ولا يجوز فعله فاذا سقط الوجوب يسقط التابع له ( ز ) وهذا الذى ذكره أبو محمد التميمي من أصحابنا ( ز د ) وذكر أبو الخطاب أن هذه المسألة من فوائد الامر هل هو حقيقة فى الندب فيجىء فيها وجهان ( ح ) وكذلك ذكر القاضي فى مسألة الامر بعد الحظر
مسألة الفعل لا يسمى أمرا حقيقة بل مجازا فى قول امامنا وأصحابه والجمهور ( ح ) وأكثر المالكية وقال بعض متأخرى الشافعية يسمى أمرا حقيقة ( ء ) وذهب أبو الحسين البصري والقاضى أبو يعلى فى الكفاية إلى أن لفظ الامر مشترك بين القول وبين البيان والطريقة وما أشبه ذلك وهذا هو الصحيح لمن أنصف ( د ) ونصره ابن برهان وأبو الطيب وهو مذهب بعض المالكية أعنى أن الفعل يسمى أمرا حقيقة
صفحة ١٤
مسألة صيغة الامر بعد الحظر لا تفيد الا مجرد الاباحة عند أصحابنا ( د ) وهو قول مالك وأصحابه ( ه ) وهو ظاهر قول الشافعي وبعض الحنفية وحكاه ابن برهان وقال أكثر الفقهاء حكمها حكم ورودها ابتداء ( ز ) وحكي عن بعض أصحابنا وللشافعية فيه وجهان والثاني اختيار أبي الطيب وذكر أن القول بالاباحة ظاهر المذهب قال واليه ذهب أكثر من تكلم فى أصول الفقه
قلت واختار الجوينى فى لفظ الامر بعد الحظر أنه على الوقف بين الاباحة والوجوب مع كونه أبطل الوقف فى لفظه ابتداء من غير سابقة حظر وحكى عن أبي اسحاق الاسفرائينى أن النهى بعد الامر على الحظر بالاجماع ثم قالت ولست أرى مسلما له أما أنا فأسحب ذيل الوقف عليه وما أرى المخالفين فى الامر بعد الحظر يسلمون ذلك
قلت ولقد أصاب فى ذلك فان القاضي أبايعلى ذكر فيها وجهين وكذلك المقدسي ( ح ) أحدهما التنزيه والآخر التحريم واختار ابن عقيل قولا ثالثا غيرهما وذكر بعض أصحابنا فى مسألتي الامر بعد الحظر والنهى بعد الامر ثلاثة أوجه أحدها حملهما على موجبهما ابتداء من الايجاب والتحريم والثاني حملهما على الاباحة والثالث حمل الامر على اباحة الفعل والنهي على اباحة الترك
فصل
قال القاضي صيغة الامر اذا وردت بعد الحظر اقتضت الاباحة واطلاق محظور ولا يكون أمرا وهذا من القاضي يقتضي أن المباح ليس مأمورا به لان حقيقة الامر لو وجدت بعد الحظر كانت على بابها وقد نص أحمد فى رواية صالح وعبد الله فى قوله تعالى
ﵟوإذا حللتم فاصطادواﵞ
ﵟفإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرضﵞ
فقال أكثر من سمعنا ان شاء فعل وان شاء لم يفعل كأنهم ذهبوا إلى أنه ليس بواجب وليس هما على ظاهرهما
صفحة ١٥
قلت هذا اللفظ يقتضي أن ظاهرهما الوجوب وأنه من المواضع المعدولة عن الظاهر لدليل ولذلك ذكره فى الرد على المتمسك بالظاهر معرضا عما يفسره وقد مثل القاضي في هذه المسألة بقوله
ﵟفإذا طعمتم فانتشرواﵞ
وليس من هذا لكن من أمثلتها التي ذكرها المزنى قوله
ﵟفإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئاﵞ
وقوله
ﵟفكلوا مما أمسكن عليكمﵞ
والتحقيق أن يقال صيغة أفعل بعد الحظر لرفع ذلك الحظر واعادة حال الفعل إلى ما كان قبل الحظر فان كان مباحا كان مباحا وان كان واجبا أو مستحبا كان كذلك وعلى هذا يخرج قوله ( فاذا أنسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين ) فإن الصيغة رفعت الحظر وأعادته إلى ما كان أولا وقد كان واجبا وقد قرر المزني هذا المعنى
مسألة صيغة الامر بعد الحظر تنقسم إلى حظر من جهة المخاطب بصيغة افعل فيكون قوله افعل اذنا ورفعا لذلك الحظر والى حظر ثابت من جهة غيره فلا يكون أباحة بل أمرا مبتدأ ذكره القاضي فى ضمن المسألة وكذلك ابن عقيل وفي كلام القاضي ما يقتضي التسوية وينبني على ذلك أن رفع الاول نسخ دون الثاني وهذا كما قسمت الوجوب إلى معنيين كما يجيء
فصل
ولو نهاه عن شيء فاستأذن العبد فى فعله فقال افعل فقال القاضي هذا لا يقتضي الوجوب بلا خلاف وذكر بعد هذا اذا استأذنه فى فعل شيء فقال افعل حمل على الاباحة بالاستئذان والاذن جميعا جعله محل وفاق
فصل
صفحة ١٦
الامر بعد الحظر قسمان لان الحظر اما أن يكون نهيا من الآمر أو يكون محظورا يعنى نهيا من غير الآمر فذكر من جملة الصور التي تفيد فى العرف الاذن ما يشمل القسمين وهو ما اذا قال لا تدخل بستان فلان ولا تحضر دعوته ولا تغسل ثيابك ثم قال له بعد ذلك ادخل واحضر واغسل ثيابك قال وكذلك قول الرجل لضيفه كل ولمن دخل داره ادخل فقيل له غير هذا ألا ترى أنه يقول لعبده لا تقتل زيدا فيكون حظرا فاذا قال اقتله بعد هذا كان حظرا على الوجوب قال لان الاصل حظر قتل زيد فقوله لا تقتل زيدا توكيد للحظر المتقدم لا لانه مستفاد به حظر وفي مسألتنا وقع النهي ثم رفع النهي فيجب أن يعود إلى ما كان اليه
قلت وهذا تصريح بأن الخلاف انما هو في حظر أفاده النهي لا في حظر غيره وأن ذلك النهي فصار قولان ثم حظر النهي منه ما يكون مغي كقوله تعالى
ﵟولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهنﵞ
ومنه ما يكون فى معنى المغي كالنهى عن الصيد والانتشار ومنه ما يكون نسخا كالحديث ونازع القاضى فى قوله
ﵟفإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركينﵞ
فقال لا نسلم أن وجوب قتل المشركين استفيد بهذه الآية بل بقوله تعالى
ﵟقاتلوا الذين لا يؤمنونﵞ
ونحوها مما لم يتقدمه حظر قلت وهذا ضعيف بل الامر بعد الحظر يرفع الحظر ويكون كما قبل الحظر والامر فى هذه الآية كذلك وقد قرر القاضى أن الامر بعد الحظر بمنزلة الغاية فيفيد زوال الحكم عند انقضائها وهذا يؤيد ما ذكرته واحتج بقوله
ﵟولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلهﵞ
ولا حجة فيه
فصل
صفحة ١٧
فاذا كان بعد الحظر أمر صريح بلفظه كما لو قال ( أمرتكم بالصيد اذا حللتم ) فحكى المقدسي عن قوم أنه يقتضي الوجوب بخلاف صيغة أفعل بعد ما صدر الكلام فى المسألة السابقة بكلام مطلق يقتضي التسوية بينهما عنده وعندي أن هذا التفضيل هو كل المذهب وكلام القاضي وغيره يدل عليه فانه سرح بأن هذا ليس بأمر إنما صيغته صيغة الامر وانما هو اطلاق فظاهر كلام ابن عقيل فى الادلة يعطي أنه اذا جاء خطاب بلفظ الامر أو الوجوب اقتضى الوجوب وان جاء بصيغة الامر فانه لا يكون أمرا بل مجرد اذن وهذا لا يتأتى فى لفظ الامر
مسألة الامر المطلق يقتضي التكرار والدوام حسب الطاقة عند أكثر أصحابنا وبعض الشافعية وهو أبو اسحاق الاسفرائينى والجوينى وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين لا يقتضيه ولم يذكر القاضى عن أحمد الا كلامه فى الوجوب كما يأتي بل يكون ممتثلا بالمرة واختاره أبو الخطاب والمقدسى وهو الذي ذكره أبو محمد المقدسى وقالت الاشعرية هو على الوقف وقال بعض الحنفية وبعض الشافعية ان كان معلقا بشرط يتكرر اقتضى التكرار والا فلا وهو أصح عندي وقال القاضي في المقدمة التى فى أصول الفقه فى آخر المجرد واذا ورد الامر مقيدا بوقت اقتضى التكرار وان ورد مطلقا ففال شيخنا يقتضي التكرار وقال غيره لايقتضى التكرار وحكى ابن برهان أن بالقول بالتكرار قال أصحاب أبي حنفية والمتكلمون ونصر الجوينى القول بالوقف فيما زاد على المرة الواحدة وقال لست أنفيه ولا أثبته مع كونى أبطل قول الوقف فى مسألة الوجوب والندب ويحقق ذلك عندي أنه يرجع إلى قول من قال لا يقتضى التكرار
صفحة ١٨
قال القاضى فى كتاب اختلاف الروايتين والوجهين مسألة الامر اذا ورد مطلقا من غير تقييد بوقت هل يقتضى التكرار أم لا قال شيخنا أبو عبدالله يقتضى التكرار كما لو ورد مقيدا بوقت وقد نص أحمد فى رواية صالح فى ايجاب طاعة الرسول على الامر المقيد بوقت أنه يقتضى التكرار فقال
ﵟإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكمﵞ
فالظاهر يدل على أنه اذا قام إلى الصلاة فعليه ما وصف فلما كان يوم الفتح صلى النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء واحد قال وعندى أنه لا يقتضى التكرار وقد قال فى رواية صالح ويعقوب بن بختان اذا أذن له سيده بتزوج قال واحدة وان أراد أن يتزوج الاخرى استأذنه وقال أيضا اذا خير زوجته لم يجز لها أن تطلق نفسها الا طلقة واحدة وسلم أن قوله ( كل كل ) أمر بالاكل مرتين
صفحة ١٩
قلت المذهب فى قوله ( طلقى نفسك ) مع الاطلاق هل تملك به الثلاث وهى مكتوبة فى موضعها لكن طلقى وتزوجي واختارى كل هذا ليس بأمر وانما هو اذن واباحة فان كانت صيغة أفعل اذا أريد بها الاباحة كقوله
ﵟكلوا واشربواﵞ
تختلف فى افادتها التكرار كما في ما أريد بها الامر فما هو ببعيد ومسألة طلقى نفسك كأن قد كثر منها فى العدة والتزم ( طلقى نفسك بألف ) وقوله لوكيله طلق فلانه فقال والجواب أن مهنا نقل عن أحمد اذا قال طلقى نفسك فقالت طلقت نفسى ثلاثا هى ثلاث فظاهر هذا أنه اعتبر عموم اللفظ ثم ضرب على هذا واعتذر بأن هذا ثبت بالشرع والخلاف فى موجب اللغة وأما ما ذكروه من نص أحمد فى المعلق بشرط فيحتمل أن يكون التكرار حصل من صيغة اذا فان أصحابنا وان فرقوا بينها وبين متى فجعلوا فى متى وجهين بخلاف اذا ففى الفرق نظر ويحتمل أنه من عموم لفظ الصلاة كأنه قال اذا قمتم إلى أى فرد من أفراد الصلاة فاغسلوا وكذلك يحتمل أن يقال هذا فى قوله ( لدلوك الشمس ) أى عند كل فرد من أفراد دلوك الشمس وهذا الباب متعلق بأدوات الشروط فى الايقاعات كالطلاق ونحوه وللاوامر والوعد والوعيد وقد أفرط القاضى حتى منع حسن الاستفهام عن التكرار ثم سلم وأجازه فى الوجوب وهذا بارد مخالف للحديث الصحيح وأما فى مسألة الفور فقال اذا كان الآمر ممن لا يضع الشيء فى غير موضعه لم يحسن منه الاستفهام فلم يتردد وسلم أن اليمين لا فور فيها لانها غير موجبه وأما الندب فقال لا يمتنع أن يقول يجب على الفور وقال لا يمتنع أن يقول يختص بالمكان الذى أمر بالفعل فيه لانه على الفور وذكر أبو محمد التميمي مسائل الاوامر عن أحمد أن الامر عنده للوجوب وهو عنده على الفور وكان يذهب إلى أنه لا يقتضى التكرار الا بقرينة ومتى تكرر الامر فهو توكيد المأمور واذا ورد بعد تقدم نهى دل على الاباحة ومتى خير المأمور بين أشياء ليفعلها فالواجب واحد لا بعينه ومتى قام الدليل على أنه لم يرد به الوجوب لم يدل على الجواز والمندوب اليه داخل تحت الامر والامر بالشيء نهى عن ضده ولا تدخل الامة فى الامر المطلق ويدخل العبيد عنده فى الامر المطلق ولا تدخل النساء فى خطاب الذكور والزيادة على المأمور به ليس بواجب ولا يقع الامر من الآمر على وجه مكروه وكان يقول ان النهى بدل على فساد المنهى عنه وله عنده صيغة واذا ورد الامر وفيه استثناء من غير جنسه لم يكن استثناء صحيحا عنده قال وقد اختلف فى جميع ذلك أصحابه وذكر السرخسى أن الصحيح من قول علمائهم أن صيغة الامر لا توجب التكرار ولا تحتمله ولكن الامر بالفعل يقتضى أدنى ما يكون من جنسه على احتمال الكل الا بدليل وقال بعضهم هذا اذا لم يكن معلقا بشرط ولا مقيدا بوصف فان كان فمقتضاه التكرار بتكرار ما قيد به قال وعلى قول الشافعي مطلقة لا يوجب التكرار ولكنه يحتمله والعدد أيضا اذا اقترن به دليل وقال بعضهم مطلقة يوجب التكرار الا أن يقوم دليل يمنع منه ويحكى هذا عن المزنى
صفحة ٢٠
مسألة واختلف من قال الامر لا يقتضى التكرار اذا تكرر لفظه كقوله ( صل صل ) و ( صم صم ) فالذى نقله ابن برهان القول بالتكرار وهو قول الفقهاء قاطبة قال وصار بعض المعتزلة إلى أنه لا يقتضى التكرار وأما نقل القاضى وغيره فانه قال فى ذلك قالت الحنفية يكون أمرا ثانيا ويحكى عن أبي حنيفة أيضا الا أن يكون فيه قرينة توجب تعريف الاول كقوله ( صل ركعتين صل الصلاة ) واختلف الشافعية فمنهم من قال بذلك وأنه يكون أمرا ثانيا الا أن تمنع منه العادة مثل قوله صل ركعتين صل الصلاة وهو قول عبد الجبار بن أحمد وكقوله ( اسقنى ماء اسقنى ماء ) واختاره أبو اسحاق الفيروز ابادى ومنهم من جعله تأكيدا كى لا يجعله أمرا بالشك وهذا اختيار القاضى فى الكفاية بعد أن ذكر تقسيمات كثيرة واختاره أبو بكر الصيرفي وأبو الخطاب والمقدسي ومنهم من قال بالوقف وهو قول البصري قال ابن عقيل وهو قول الاشعرى فيما حكاه بعض الفقهاء عنهم والاول عندى أشبه بمذهبنا وهو قول القاضى فى كتاب الروايتين مع اختياره فيه أن الواحد لا يقتضى التكرار لو قدرنا موافقتهم على الاصل المتقدم لانا نقول فيمن قال لزوجته ( أنت طالق أنت طالق ) أو قال ( اخرجى اخرجى ) يريد الطلاق ولم ينو عددا ولا تأكيدا انه يلزمه طلقتان ( ح ) وهذا هو الذى ذكره القاضى فى مقدمة المجرد مع ذكره للخلاف فى الواحد فقال واذا تكرر الامر بالشيء اقتضى ذلك وجوب تكرار المأمور به الا أن يكون ما يدل على أن المراد بالثانى التأكيد وحكى ابن عقيل عن ابن الباقلانى أنه على التكرار وليس على الوقف بخلاف قوله فى الامر والعموم لان الاصل أن كل لفظة لها معنى تدل عليه وهذا يختل بالوقف هنا دون الوقف فى الامر والعموم وهذا بخلاف المذكور فى الامر المتكرر اذا كان الثانى معادا من غير عطف وكان المأمور به يقبل الزيادة حيث لم يقتض الامر التكرار اما على الاطلاق أو مع دلالة كقوله ( صل مرة )
فأما ان كان الثانى معطوفا على الاول بغير تعريف كقوله صل ركعتين وصل ركعتين وقوله اسقنى ماء واسقنى ماء فانه يفيد التكرار فإن كان المعطوف معرفا مثل صل ركعتين وصل الصلاة فانه يحمل على الصلاة الاولى لاجل التعريف قاله القاضى وأظن أبا الحسين البصرى وقيل يحمل على صلاة أخرى وقيل بالوقف
فان كان مما لا يصح التزايد فيه حسا كالقتل أو حكما كالعتق لم يتكرر سواء كان بعطف أو بغير عطف ثم لا يخلو اما أن يكونا عامين أو خاصين أو أحدهما عاما والآخر خاصا وسواء تقدم العام أو تأخر
صفحة ٢١
فصل
وهل يقتضى وجوب التكرار اعتقاد الوجوب وعزم الامتثال قال القاضى ملزما لمخالفيه انه يجب وحكى عن الجرجانى الحنفى أنه لا يجب وانما يجب البقاء على حكم الإعتقاد من غير فسخ له كالنية فى العبادات أو كاعتقاد ما يجب اعتقاده وهذا أصح
صفحة ٢٢