والمسافة من المولتان إلى المنصورة خمسة وسبعون فرسخا سنديةعلى ما ذكرنا، والفرسخ ثمانية أميال، وجميع ما للمنصورة من الضياع والقرى مما يضاف إليها ثلثمائة ألف قرية ذات زروع وأشجار وعمائر متصلة، وفيهاحروب كثيرة من جنس يقال لهم الميد، وهم نوع من السند وغيرهم من الأجناس، وهم ثغر السند، وكذلك المولتان من ثغور السند ومما أضيف إليها من العمائر والمدن.وسميت المنصورة باسم منصور بن جمهور عامل بني أمية، ولملك المنصورة فيلة حربية، وهي ثمانون فيلا رسم كل فيل أن يكون حوله على ما ذكرنا خمسمائة راجل وأنه يحارب ألوفا من الخيك على ما ذكرنا، ورأيت له فيلين عظيمين كانا موصوفين عند ملوك السند والهند لما كانا عليه من البأس والنجدة والإقدام على فل الجيوش، وكان اسم أحدهما منفرقلس والآخرحيدرة ولمنفرقلس هذا أخبار عجيبة، وأفعال حسنة، وهي مشهورة في تلك البلاد وغيرها: منها أنه مات بعض سواسه، فمكث أياما لا يطعم ولا يشرب، يبدي الحنين، ويظهر الأنين، كالرجل الحزين، ودموعه تجري من عينيه لا تنقطع، ومنها أنه خرج ذات يوم من حائره، وهي دار الفيلة، وحيدرة وراءه، وباقي الثمانين تبع لهما، فانتهى منفرقلس في سيره إلى شارع قليل العرض من شوارع المنصورة، ففاجأ في مسيره امرأة على حين غفلة منها، فلما بصرت به دهشت واستلقت على قفاها من الجزع، وانكشفت عنها أطمارها في وسط الطريق، فلما رأى ذلك منفرقلس وقف بعرض الشارع مستقبلا بجنبه الأيمن ما وراءه من الفيلة مانعا لهم من النفذ من أجل المرأة، وأقبل يشير إليها بخرطومه بالقيام،ويجمع عليها أثوابها، وششر منها ما بدا، إلى أن انتقلت المرأة وتزحزحت عن الطريق بعد أن عاد إليها روحها، فاستقام افيل في طريقه، واتبعه الفيلة.وللفيلة أخبار عجيبة الحربية منها والعمالة لأن منها ما لا يحارب فيجر العجل وتحمل عليه الأثقال وششعمل في دياس الأرز وغيره من الأقوات كدوس البقرفي البيدر، وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب أخبار الزنج والفيلة، وكونها في بلادها، وليس في سائر الممالك أكثر منها في بلاد الزنج، وهي وحشية هنالك كلها. فهذه جمل من أخبار ملوك السند والهند، ولغة السند خلاف لغة الهند، والسند مما يلي الإسلام، ثم الهند، ولغة أهل المانكير وهي دار مملكة البلهرا كيرية مضافة إلى الصقع، وهي كيرة، ولغة ساحله مثل صيمور وسويارة وتانة وغير ذلك من مدن الساحل لا رية، وبلدهم مضافة إلى البحر الذي هم عليه، وهو لا روى، وقد تقدم ذكره فيما سلف من هذا الكتاب، ولهذا السالح أنهار عظيمة تجري من الجنوب، بالضد من أنهار العالم، وليس في أنهار العالم ما يجري من الجنوب إلى الشمال إلا نيل مصر ومهران السند ويسير من الأنهار، وما عدا ذلك من أنهار العالم يجري من الشمال إلى الجنوب، وقد ذكرنا وجه العلة في ذلك وما قاله الناس في هذا المعنى في كتابنا أخبار الزمان وقد ذكرنا ما انخفض من الأرض وما ارتفع.وليس في ملوك السند والهند من يعز المسلمين في ملكه إلا البلهرا، فالإسلام في ملكه عزير مصون، ولهم مساجد مبنية، وجوامع معمورة بالصلوات للمسلمين، ويملك الملك منهم الأربعين سنة والخمسين سنة فصاعدا، وأهل مملكته يزعمون أنه إنما طالت أعمار ملوكهم لسنة العدل وإكرام المسلمين، وهو ملك يرزق الجنود من بيت ماله كفعل المسلمين بجنودهم، وله دراهم طاهرية وزن الدرهم منها وزن درهم ونصف،سكته بدء تاريخ ملكهم، وفيلته الحربية لا تحصى كثرة، وتدعى بلاده أيضا بلاد الكمكر، ويحاربهم ملك الخزر من إحدى جهات مملكته، وهو ملك كثير الخيول والإبل والجنود ة ويزعم أنه ليس في ملوك العالم أجل منه إلا صاحب إقليم بابل، وهو الإقليم الرابع، وذلك أن هذا الملك ف نخوة وصولة على سائر الملوك، وهو مع ذلك مبغض للمسلمين، وهو كثير الفيلة، وملكه على لسان من الأرض، وفي أرضه معادن الذهب والفضة، ومبايعتهم بهما.ثم يلي هذا الملك ملك الطافن موادع لمن حوله من الملوك، وهو مكرم للمسلمين، وليست جيوشه كجيوش من ذكرنا من ملوك، وليس في نساء الهند أحسن من نسائهم، ولا أكثر منهن جمالا وبياضا، وهن موصوفات الخلوات، مذكورات في كتب الباه، وأهل البحر يتنافسون في شرائهن يعرفن بالطافنيات.
رهمى
ثم يلي هذا الملك مملكة رهمى، وهذه سمة لملوكهم، وهو الأعم من أسمائهم، ويقاتله الجزر، وملكه متاخم لملكهم، ورهمى يحارب البلهرا أيضا من إحدى جهات مملكته، وهو أكثر جيوشا وفيلة وخيولا من البلهرا ومن ملك الجزر ومن ملك الطافن، وإذا خرج في حروبه فرسمه أن يكون في خمسين ألف فيل، ولا يكون حربه إلا في الشتاء لقلة صبر الفيلة على العطش وقلة لبثها، والمكثر من الناس يغلو في القول في كثرة جنوده، فيزعمون أن عدد القصارين والغسالين في عسكره من عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألفا، وحرب من ذكرنا من الملوك كراديس، كل كردوس عشرون ألفا، أربعة أوجه كل وجه من الكردوس خمسة الاف، ومملكة رهمى تعاملهم بالودع، وهو مال البلد، وفي بلده العود والذهب والفضةوالثياب التي ليست لغيره رقة ودقة، ومن بلده يحمل الشعر المعروف بالضمر الذي تتخذ منه المذاب بنصب العاج والفضة يقوم بها الخدم على رؤوس الملوك في مجالسها.
وصف الكركدن
صفحة ٧٢