ونعود إلى ذكر مراتب الملوك ونسق ما بقي من الممالك على البحر الحبشي الذي شرعنا في وصفه ومن عليه، فنقول: ملك الزنج وفليمي، ملك اللان كركنداج، ملك الحيرة من بني نصر النعمانية والمناذرة، ملك جبال طبرستان كان يدعىقارن والجبل معروف به وبولده في هذا الوقت، ملك الهند البلهرا، ملك القنوج من ملوك السند بؤورة وهذا اسم كل سك يلي القنوج، وهنا مدينة يقال لها بؤورة باسم ملوكهم، وقد صارت اليوم في حيز الإسلام، وهي من أعمال المولتان، ومن هذه المدينة يخرج أحد الأنهار التي إذا اجتمعت كانت نهرمهران السند الذي زعم الجاحظ أنه من النيل، وزعم غيره أنه من جيحون خراسان، وبؤورة هذا الذي هو ملك القنوج هو ضد البلهرا ملك الهند ، وملك القندهار من ملوك السند وجبالها، يدعى ححج، وهو اسم الأعم، ومن بلاده يخرج النهر المعروف برائد وهو أحد الأنهار الخمسة التي منها مهران السند والقندهار يعرف ببلاد الرهبوط، ونهر من الخمسة يخرج من بلاد السند وجبالها يعرف ببهاطل ويجتاز بلاد الرهبوط وهي بلاد القندهار، والنهر الرابع يخرج من بلاد كابل وجبالها وهي تخوم السند مما يلي بسط وغزنين وزرعون والرخج وبلاد الدوار مما يلي بلاد سجستان، ونهر من الخمسة يخرج من بلاد قشمير، وملك قشميريعرف بالراني، هذا الاسم الأعم لسائر ملوكهم، وقشمير هذه من ممالك السند وجبالها هملكة عظيمة حصينة يحتوي ملكها على مدن وضياع على نحومن ستين ألفا إلى سبعين ألفا، لا سبيل لأحد من الناس على بلده إلا من وجه واحد، ويغلق على جميع ما ذكره من ملكه باب واحد، لأن ذلك في جبال شوامخ منيعة لا سبيل للرجال أن يتسلقوا عليها، ولا للوحش أن يلحق بعلوها، ولا يلحقها إلا الطير، وما لا جبل فيه فأودية وعرة وأشجار وغياض وأنهار ذات منعة من شدة الأنصباب والجريان، وما ذكرنا من منعة ذلك البلد فمشهور في أرض خراسان وغيرها من البلاد، وذلك أحد عجائب الدنيا.
القنوج
فأما ملك بؤورة وهو ملك القنوج فإن مسافة مملكته تكون نحوا من عشرين ومائة فرسخ في مثلها فراسخ سندية الفرسخ ثمانية أميال بهذا الميل، وهو الملك الذي قدمنا ذكره فيما سلف أن له من الجيوش أربعة على مهاب الرياح الأربع، كل جيش منها سبعمائة ألف، وقيل: تسعمائة ألف وقيل: تسعة آلاف ألف فيحارب بجيش الشمال صاحب المولتان ومن معه في تلك الثغور من المسلمين، ويحارب بجيش الجنوب البلهرا ملك المانكير، وبالجيوش الباقية من يلقاه في كل وجه من الملوك، ويقال: إن ملكه يحيط في مقدار ما ذكرناه من المسافة من المدن والقرى والضياع مما يدركه الإحصاء والعدد بألف ألف وثمانمائة ألف قرية بين أنهار وشجر وجبال ومروج، وهو قليل الفيلة من بين الملوك، ورسمه لحربه ألفا فيل حربية تقاتل، وذلك أن الفيل إذا كان فارها ممارسا شجاعا وكان راكبه فارسا وفي خرطومه القرطل وهو نوع من السيوف وخرطومه مغشى بالزرد والحديد، وعليه تجافيف قد أحاطت سائر جسده من القرن والحديد، وكان حوله خمسمائة راجل يمنعونه ويحرزونه من ورائه، حارب ستة آلاف فارس، وقام بها، وأدناها إذا كان معه خمسمائة راجل، كر على خمسة آلاف فارس، ودخل وخرج وصال عليها كالرجال علىالفرس، وهذا رسم فيلتها في سائر حروبها.
المولتان
فأما صاحب المولتان فقد قلنا: إن الملك في ولد سأمة بن لؤي بن غالب، وهوف جيوش ومنعة، وهو ثغر من ثغور المسلمين الكبار، وحول ثغر المولتان من ضياعه وقراه عشرون ومائة ألف قرية مما يقع عليه الإحصاء والعد، وفيه على ما ذكرنا الصنم المعروف بالمولتان، يقصده السند والهند من أقاصي بلادهم بالنفر والأموال والجواهر والعود وأنواع الطيب، ويحج إليه الألوف من الناس، وأكثر أموال صاحب المولتان مما يحمل إلى هذا الصنم من العود القماري الخالص الذي يبلغ ثمن الأوقية منه مائة دينار، وإذا ختم بالخاتم أثر فيه كما يؤثر في الشمع، وغير ذلك من العجائب التي تحمل إليه، وإذا نزلت الملوك من الكفار على المولتان وعجز المسلمون عن حربهم هددوهم بكسرهذا الصنم وتعويره، فترحل الجيوش عنهم عند ذلك، وكان دخولي إلى بلاد المولتان بعد الثلاثمائة، والملك بها أبو اللهاب المنبه بن أسد القرشي.
المنصورة
صفحة ٧٠