وقد كان عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان سارإلى الأندلس في سنة تسع وثلاثين ومائة فملكها ثلاثا وثلاثين سنة وأربعةأشهر، ثم هلك، فملكها ابنه هشام بن عبد الرحمن سبع سنين، ثم ملكها ابنه الحكم بن هشام نحوا من عشرين سنة، وولده ولاتها إلى اليوم على ما ذكرنا أن صاحبها عبد الرحن بن محمد، وولي عهد عبد الرحمن في هذا الوقت فتاه الحكم أحسن الناس سيرة، وأجملهم عدلا، وقد كان عبد الرحمن صاحب الأندلس في هذا الوقت المقدم ذكره غزا سنة سبع وعشرين وثلثمائة في أزيد من مائة ألف فارس من الناس، فنزل على دار مملكة الجلالقة، وهي مدينة يقال لها سمورة، عليها سبعة أسوار من عجيب البنيان قد أحكمتها الملوك السالفة، بين الأسوار فصلان وخنادق ومياه واسعة، فافتتح منهما سورين، ثم إن أهلهما ثاروا على المسلمين فقتلوا منهم ممن أدرك الإحصاء وممن عرف أربعين ألفا، وقيل: خمسين ألفا، وكانت للجلالقة والوشكند على المسلمين، وآخر ما كان بأيدي المسلمين من مدن الأندلس وثغورها مما يلي الإفرانجة مدينة أربونة، خرجت من أيدي المسلمين سنة ثلاثين وثلاثمائة مع غيرها مما كان في إيديهم من المدن والحصون، وبقي ثغر المسلمين في هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة من شرقي الأندلس طرطوشة، وعلى ساحل بحر الروم مما يلي طرطوشة آخذا في الشمال أفراغة على نهر عظيم، ثم لاردة، ثم بلغني عن هذه الثغور أنها تلاقي الإفرانجة، وهي أضيق مواضع الأندلس، وقد كان قبل الثلثمائة ورد إلى الأندلس مراكب في البحر فيها ألوف من الناس أغارت على سواحلهم، زعم أهل الأندلس أنهم ناس من المجوس تطرأ إليهم في هذا البحر في كل مائتين من السنين، وأن وصولهم إلى بلادهم من خليج يعترض من بحر أوقيانوس، وليس بالخليج الذي عليه المنارة النحاس، وأرىوالله أعلم أن هذا الخليج متصل ببحر مايطس ونيطس وأن هذه أمة هم الروس الذين قدمنا ذكرهم فيما سلف من هذا الكتاب إذ كان لا يقطع هذه البحار المتصلة ببحر أوقيانوس غيرهم، وقد أصيب في البحر الرومي فيما بين جزيرة أقريطش ألواح المراكب الساج المثقبة المخيطة بليف النارجيل من مراكب قد عطبت تقاذفت بها الأمواج في مياه البحار، وهذا لا يكون إلا في البحر الحبشي لأن مراكب البحر لرومي والعرب كلها فات مسامير، ومراكب البحر الحبشي لا يثبت فيها الحديد لأن ماء البحريذيب الحديد فترق المسامير في البحر وتضعف، فاتخذ أهلها الخياطة بالليف بدلا منها، وطليت بالشحوم والنورة، فهذا يدل والله أعلم على إتصال البحار، وأن البحر مما يلي الصين وبلادالسيلى يحور على بلاد الترك، ويفضي إلى بحار المغرب من بعض خلجان أوقيانوس المحيط.وقد كان وجد بساحل بلاد الشام عنبر قذف به البحر، وهذا من المستئكر في البحر الرومي الذي لم يعهد فيه من قديم الزمان مثل ذلك، يمكن أن يكون سبيل وقوع العنبر إلى هذا البحر سبيل ما ذكرناه من ألواح مراكب البحر الصيني، والله أعلم بكيفية ذلك وعلمه.ولبحر المغرب وما قرب منه من عمائر السودان وأقاصي أرض المغرب أخبار عجيبة.
بلاد الحبشة والسودان
صفحة ٦٨