مروج الذهب ومعادن الجوهر

المسعودي ت. 346 هجري
161

مروج الذهب ومعادن الجوهر

قال المسعودي: وأما بلاد الواحات - وهي بين بلاد مصر والإسكندرية وصعيد مصر والمغرب وأرض الأحابش من النوبة وغيرهم - فقد ذكرنا جملأ من أخبارها، وكيفية العمران بها، والخواص في أرضها، فيما سلف من كتبنا، وبها أرض شبية وزاجية وعيون حامضة وغير ذلك من الطعوم: وصاحب الواحات في وقتنا هذا - وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة - عبد الملك بن مروان، وهو رجل من لواتة، إلا أنه مرواني المذهب، ويركب في ألوف من الناس خيلا ورجلا ونجبا، وبينه وبين الأحابش نحو من ستة أيام، وكذلك بينه وبين سائر ما ذكرنا من العمائر هذا المقدار من المسافة، وفي أرضه خواص وعجائب، وهو بلد قائم بنفسه، غير متصل بغيره، ولا مفتقر إليه، ويحمل من أرضه التمر والزبيب والأعناب، وقد رأيت صاحب هذا الرجل المقيم بالواحات بباب الإخشيد محمد بن طغج، وذلك سنة ثلاثين وثلثمائة، وسألته عن كثير من أخبار بلدهم، واحتجت أن أعلمه من خواص أرضهم، وكذلك كان فعلي مع غيره في سائر الأوقات ممن لم أصل إلى بلادهم، وأخبرني هذا الرجل عما بأرضهم من الشب وأنواع الزاج، وما يحمل من بلادهم، وما بأرضهم من أنواع العيون الحامضة، وغير ذلك من المياه المختلفة الطعوم.

وقد ذكر صاحب المنطق أن ببعض المواضع عيونا حامضة يستعمل ماؤها كاستعمال الخل، وذكر المواضع التي تنبع منها العيون المرة، وأن قوة مائها في المرارة لا يخالط شيئا إلا مرره، وأن العلة في اختلاف هذه الطعوم في المياه أن الأرضين مختلفة مثل مواضع الشب " والمواضع النارية والرمادية، وذكر الأطعمة التي ببلاد صقلية المقدم ذكرها إذا خالطت الماء أفادته طعوما مختلفة على قدر اختلافها وأعداد طعومها.

أعداد الطعوم وخواصها

وأعداد الطعوم ثمانية: فأولها العذب، والملح، والدسم، والحلو، والحامض، والمر، والقابض، والحريف، وقد تنازع الناس فيما ذكرنا؛فمنهم من رأى أن أعدادها سبعة، ومنهم من ذهب إلى أنها ستة، وأكثر من قال في أعدادها هو ما ذكرنا آنفا من أنها ثمانية؛ وقد قال من سلف في قوى المياه أقاويل مختلفة: فمن ذلك أن العذب مغذ وإن كان سخنا، فإن استعمل من داخل أو من خارج بقدر الحاجة إليه فإنه ينقي الجسد، وإن استعمل أكثر مما يحتاج إليه فإنه يرخي الأعضاء ويضعفها، وأن الماء البارد يشد الأعضاء، ويقطع العطش، وأن الزيادة منه تخدر الجسد وتميته، وأن الماء الأجاج ينفع من سدد العبد والطحال، وأن الماء الكبريتي ينفع الجراح والقروح العتيقة والحكة؛ والبورقي نافع للحكة والجرب، وأما القاري فإنه نافع من أوجاع الصلب والعصب، وماء الحديد نافع من الاسترخاء في الأحشاء وما بطن من الأوعية، وماء النحاس نافع من الرطوبة والبلة الكائنة في الجسد والرأس، وماء الجص يشنج المعدة ويقبضها ويكرشها، وماء الزاج يحبس الدم، وماء البحر نافع من البرص، وقد ذكر جماعة أنه ينفع من الأخلاط الفاسدة إذا شرب منه اليسر مع دهن اللوز، وله في البصر أتعاب فظيع، وأن أصح المياه للأجساد الأبيض البراق الذي يخرج من جبال الطين من مشرق الشمس نحو مغربها، القابل بسرعة ما يرد إليه من الحر والبرد، وللناس فيما ذكرنا كلام كثير في أنواع المياه وأوصافها ومنافعها ومضارها، وليس كتابنا هذا موضعا له، وإنما تغلغل بنا الكلام إلى ذكرها، وتشعب بنا القول إلى وصفها.

وصف بلاد الأحابش وحاصلاتها

صفحة ١٧٩