وهذا من جملة ما شرف به نبينا ﷺ، كما شرف بحيازة درجتي الغني الشاكر والفقير الصابر، فأوتي مفاتيح خزائن الأرض، فردها واختار [٨ و] الفقر والإيثار بما فتح الله عليه من البلاد، فكان غنيا شاكرًا وفقيرًا صابرًا ﷺ.
فإن قلت: في أي زمان نزل جملة إلى السماء الدنيا، أبعد ظهور نبوة محمد ﷺ أم قبلها؟
قلت: الظاهر أنه قبلها، وكلاهما محتمل، فإن كان بعدها، فالأمر على ما ذكرناه من التفخيم له ولمن أنزل عليه، وإن كان قبلها، ففائدته أظهر وأكثر؛ لأن فيه إعلام الملائكة بقرب ظهور أمة أحمد المرحومة الموصوفة في الكتب السالفة، وإرسال نبيهم خاتم الأنبياء كما أعلم الله ﷾ الملائكة قبل خلق آدم بأنه جاعل في الأرض خليفة (١)، وكما أعلمهم أيضا قبل إكمال خلق آدم ﵇ بأنه يخرج من ذريته محمد وهو سيد ولده، وعلى ذلك حملنا قوله ﷺ: "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين" (٢)، على ما أوضحناه في "كتاب شرح المدائح النبوية" (٣)، وكان العلم بذلك حاصلا عند الملائكة، ألا ترى أن في حديث الإسرى (٤)، لما كان جبريل يستفتح له السماوات سماء سماء؟ كان يقال له: من هذا؟ فيقول: جبريل، يقال: من معك؟ فيقول: محمد، فيقال: وقد بعث إليه؟ فيقول: نعم. فهذا كلام من كان عنده علم بذلك قبل ذلك
_________
(١) الإشارة إلى الآية رقم٣٠ من سورة البقرة.
(٢) انظر: شرح المواهب ١/ ٥٥.
(٣) هو شرح لأبي شامة على "القصائد النبوية" لعلم الدين السخاوي المتوفى سنة ٦٤٣هـ/ ١٢٤٥م، وهذا الشرح أول مؤلفاته "انظر: الذيل ص٣٩، بروكلمان Gl٣١٧".
(٤) انظر حديث الإسراء في: البخاري ٤/ ٢٤٧؛ مسلم ١/ ٩٩.
1 / 25