فقد عفت الآثار بيني وبينها ... وقد أوحشت مني إلى درها سبلي
ولما بلوت الحب بعد فراقها ... قضيت على أم المحبين بالنكل
وأصبحت معزولًا وقد كنت واليًا ... وشتان ما بين الولاية والعزل
ومما قاله فيها وفيه غناء بجارية:
ألا في سبيل الله ما حل بي منك ... وصبرك عني حين لا صبر لي عنك
وتركك جسمي بعد أخذك مهجتي ... ضئيلًا فهلا كان من قبل ذا تركي
فهل حاكم في الحب يحكم بيننا ... فيأخذ لي حقي وينصفني منك
السليم في هذه الأبيات هزج مطلق في مجرى الوسطي، وفي هذه القصيدة يصف قصرًا كانوا فيه، وهي من عجيب شعره:
لقد كنت يوم القصر مما ظننت بي ... برأيكما أني بريء من الشرك
يذكرني الفردوس طورًا فأرعوي ... وطورًا يواتيني القصف والفتك
بغرس كأبكار الحواري وتربة ... كأن ثراها ماء ورد على مسك
وسرب من الغزلان يرتعن حوله ... كما إستل منظوم من الدر من سلك
وورقاء تحكي الموصلي إذا غدت ... بتغريدها أحبب بها وبمن تحكي
فيا طيب القصر قصرًا ومنزلًا ... بأقبح سهل غير وعر ولا ضنك
كأن قصور القوم ينظرن حوله ... إلى ملك موف على منبر الملك
خبر إبن سريج مع سكينة بنت الحسين ﵉
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن مصعب الزبيري قال: حدثني شيخ من المكيين ووجدت هذا الخبر أيضًا في بعض اكتب مرويًا عن محمد بن سعد كاتب الواقدي عن مصعب عن شيخ من المكيين والرواية عنهما متفقة قال: كان ﷺ بن سريج د أصابته الريح الخبيثة وآلى يمينًا ألا يغني ونسك ولزم المسجد الحرام حتى عوفي، ثم خرج وفيه بقية فأتى قبر النبي ﷺ وموضع مصلاه، فلما قدم المدينة نزل على بعض أخوانه من أهل النسك والقراءة كان أهل الغناء يأتونه مسلمين عليه فلا يأذن لهم في الجلوس والمحادثة، فأقام بالمدينة حولًا حتى لم يحس من علته بشيء، وأراد الشخوص إلى مكة، وبلغ ذلك سكينة بنت الحسين فأغتمت إغتمامًا شديدًا وضاق به ذرها، وكان أشعب يخدمها، وكانت تأنس بمضاحكته ونوادره وقالت لأشعب: ويلك، إن إبن سريج شاخص دخل المدينة منذ حول ولم أسمع من غنائه قليلًا ولا كثيرًا ويعز ذلك عليَّ، فكيف الحيلة في الإستماع منه ولو صوتًا واحدًا. فقال لها أشعب: جعلت فداك وأني لك بذلك والرجل اليوم زاهد ولا حيلة فيه، فأرفعي طمعك وأمسحي بوزك تنفعك حلاوة فمك.
فأمرت بعض جواريها فوطئن بطنه حتى كادت أن تخرج أمعاؤه وخنقنه حتى كادت نفسه أن تتلف، ثم أمرت به فسحب على وجهه حتى أخرج من الدار إخراجًا عنيفًا فخرج على اسوأ الحالات.
وأغتم أشعب غمًا شديدًا وندم على ممازحتها في وقت لم نبغِ له ذلك، فأتى منزل إبن سريج ليلًا فطرقه فقيل من هذا: فقال: أشعب، ففتحوا له فرأى على وجهه ولحيته التراب والدم سائلًا من أنفه وجبهته على لحيته وثيابه ممزقة وبطنه وصدره وحلقه قد عصرها الدوس والخنق ومات الدم فيها، فنظر إبن سريج إلى منظر فظيع هاله وراعه، فقال لها ما هذا ويحك، فقص عليه القصة، فقال إبن سريج: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا نزل بك والحمد لله الذي سلم نفسك لا تعودّن إلى هذه أبدًا. قال أشعب: فديتك هي مولاتي ولا بد لي منها ولكن هل لك حيلة في أن تصير إليها وتغنيها فسيكون ذلك سببًا لرضاها عني، قال إبن سريج كلا والله لن يكون ذلك ابدًا بعد أن تركته قال أشعب قد قطعت أملي ورفعت رزقي وتركتني حيران بالمدينة لا يقبلني أحد وهي ساخطة عليّ، فالله الله في وأنا أنشدك الله، ألا تحملت هذا الإثم فيّ فأبى عليه.
فلما رأى أشعب أن عزم إن سريج قد تم على الإمتناع قال في نفسه لا حيلة لي وهذا خارج وإن خرج هلكت، فصرخ صرخة آذن أهل المدينة لها ونبه الجيران من رقادهم وأقام الناس نت فراشهم ثم سكت فلم يدرِ الناس ما القصة عند خفوت الصوت بعد أن قد راعهم.
1 / 42