*** 17 )
4 وما الذي أرتج باب الاجتهاد في وجوه المسلمين بعد أن كان في القرون الثلاثة الأولى مفتوحا على مصراعيه؟ لولا الخلود إلى العجز والاطمئنان الى الكسل، والرضا بالحرمان، والقناعة بالجهل، ومن ذا الذي يرضى لنفسه أن يكون من حيث يشعر أو لا يشعر قائلا بأن الله عز وجل لم يبعث أفضل أنبيائه ورسله بأفضل أديانه وشرائعه؟ ولم ينزل عليه أفضل كتبه وصحفه بأفضل حكمه ونواميسه، ولم يكمل له الدين، ولم يتم عليه النعمة، ولم يعلمه علم ما كان وعلم ما بقي، إلا لينتهي الأمر في ذلك كله إلى أئمة تلك المذاهب فيحتكروه لأنفسهم، ويمنعوا من الوصول إلى شيء منه عن طريق غيرهم، حتى كأن الدين الإسلامي بكتابه وسنته، وسائر بيناته وأدلته من أملاكهم الخاصة، وأنهم لم يبيحوا التصرف به على غير رأيهم، فهل كانوا ورثة الأنبياء، أم ختم الله بهم الأوصياء والأئمة، وعلمهم علم ما كان وعلم ما بقي، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين؟ كلا بل كانوا كغيرهم من أعلام العلم ورعاته، وسدنته ودعاته، وحاشا دعاة العلم أن يوصدوا بابه، أو يصدوا عن سبيله، وما كانوا ليعتقلوا العقول والأفهام ولا ليسملوا أنظار الأنام، ولا ليجعلوا على القلوب أكنة، وعلى الأسماع وقرا، وعلى الأبصار غشاوة، وعلى الأفواه كمامات، وفي الأيدي والأعناق أغلالا وفي الأرجل قيودا، لا ينسب ذلك إليهم إلا من افترى عليهم، وتلك أقوالهم تشهد بما نقول.
5 هلم بنا إلى المهمة التي نبهتنا إليها من لم شعث المسلمين، والذي أراه أن ذلك ليس موقوفا على عدول الشيعة عن مذهبهم، ولا على عدول السنة عن مذهبهم وتكليف الشيعة بذلك دون غيرهم ترجيح بلا مرجح، بل ترجيح للمرجوح، بل تكليف بغير المقدور، كما يعلم مما قدمناه.
نعم يلم الشعث وينتظم عقد الاجتماع بتحريركم مذهب أهل البيت، واعتباركم إياه كأحد مذاهبكم، حتى يكون نظر كل من الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية إلى شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كنظر بعضهم إلى بعض، وبهذا ينتظم عقد اجتماعهم.
والاختلاف بين مذاهب أهل السنة لا يقل عن الاختلاف بينها وبين مذهب
--- *** 18 )
صفحة ١٧