المقدمات الممهدات
محقق
الدكتور محمد حجي
الناشر
دار الغرب الإسلامي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
وقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [المدثر: ٣١]، وقال النبي ﵊: «كل ميسر لما خلق له». وجاء في الحديث «أن رجلا من مزينة أتى النبي ﵊ فقال يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس فيه ويكدحون أشيء قضي عليهم ومضى أو فيما يستقبلون، فقال: بل شيء قضي عليهم ومضى، قال فلم نعمل إذا قال من خلقه الله لواحدة من المنزلتين فهو يستعمل لها». وتصديق ذلك في كتاب الله: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ [الشمس: ٧] ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس: ٨]. وقد قيل إن معنى الآية وما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بعبادتي. وقيل معناها ليذعنوا لي بالعبودية ويعترفوا لي بالربوبية؛ لأن معنى العبادة التذلل للمعبود. فكل الخلق على هذا التأويل متذلل لأمر الله مذعن لقضائه لأنه جار عليه لا قدرة له على الامتناع منه إذا نزل به. وإن خالف الكافر أمر الله تعالى فيما أمره به من الإيمان والطاعة فالتذلل لقضاء الله الجاري عليه موجود منه.
فصل
وحكم الله تعالى أن لا يعذب الخلق على ترك ما أمرهم به وإتيان ما نهاهم عنه إلا بعد إقامة الحجة عليهم ببعثة الرسل إليهم. قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الإسراء: ١٥]، وقال تعالى: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ - قَالُوا بَلَى﴾ [الملك: ٨ - ٩]، وقال ﷿: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [النحل: ٣٦]؛ فبعث الله ﷿ في كل أمة رسولا بما أوجب عليهم من الإيمان به والانقياد لعبادته والتزام طاعته واجتناب معصيته، فكان من آخر المرسلين
1 / 25