في الآفاق، واتفاق الفِرَق على صحته من غير اختلاف بينهم على الإِطلاق (١).
ولو لم يَرِدْ في فضله سوى قول الشافعي رحمة الله عليه: "ما بعد كتاب الله تعالى كتاب أصح من الموطأ" (٢)، لكان مقنعًا، وبجلالته معلنًا معلمًا، ثم لمَحَلِّ مؤلفه عند المؤالف والمخالف، وإجماعهم على علمه وثقته، وقصورهم عن شرح فضله وصفته؛ حتى قال يحيي بن سعيد القطان ويحيى بن معين -وهما هما- "مالك أمير المؤمنين في الحديث" (٣)، ولم يبلغ فيما بلغنا أحد درجته، [لم ينل] (٤) رتبته ومنزلته، فضلًا من الله ﵎، ونعمة عليه من عنده تتوالى.
وقد بلغني أن أبا بكر الخطيب الحافظ ببغداد قال: "جمعت الرواة عن
_________
(١) قال الحافظ ابن حجر: "والحاصل أن أول من صنف في الصحيح يصدق على مالك باعتبار انتقائه وانتقاده للرجال، فكتابه أصح الكتب المصنفة في هذا الفن من أهل عصره وما قاربه كمصنفات سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة والثوري وابن إسحاق ومعمر وابن جريح وابن المبارك وعبد الرزاق وغيرهم. فكتابه صحيح عنده وعند من تبعه ممن يحتج بالمرسل والموقوف". (النكت ١/ ٢٧٨، ٢٧٩، وراجع أيضًا في الكلام على صحة الموطأ: التقييد والإِيضاح للعراقي، ص ١٣، وفتح المغيث للسخاوي ١/ ٢٨، وتدريب الراوي للسيوطي ١/ ١١٠، ١١١).
(٢) انظر: ترتيب المدارك ٢/ ٧٠، قال القاضي عياض: "وفي رواية عنه: أفضل، وما كتب الناس بعد القرآن شيئًا هو أنفع من موطأ مالك، وإذا جاء الأثر من كتاب مالك فهو الثريا، وفي رواية أخرى عن الشافعي: وما في الأرض كتاب في العلم أكثر صوابًا من كتاب مالك". (وراجع في هذا الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ١/ ١٢، وتذكرة الحفاظ ١/ ٢٠٨).
(٣) وممن روي عنه هذا القول أيضًا: علي بن المديني. (انظر: ترتيب المدارك ١/ ١٥٥).
(٤) في الأصل: ولا نبل، والمثبت من م.
1 / 29