المنتقى شرح موطأ
الناشر
مطبعة السعادة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٣٣٢ هجري
مكان النشر
بجوار محافظة مصر
تصانيف
علوم الحديث
(ص): (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إنَّ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا قَامَ فِي مَقَامِكِ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْت لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إنَّ أَبَا بَكْرٍ إذَا قَامَ فِي مَقَامِك لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ مَا كُنْت لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا») .
ــ
[المنتقى]
النَّهَارِ ثُمَّ تَنْزِلُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ تَعْرُجُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَتَبْقَى مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَهُوَ مِنْ تَفَضُّلِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ جَعَلَ اجْتِمَاعَهُمْ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ وَآخِرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّعَاقُبِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِي جُمْلَةِ النَّاسِ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ الَّتِي يَتَعَاقَبُونَ فِيهَا وَقْتَ صَلَاةِ النَّاسِ وَوَقْتَ إقَامَتِهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمَلَائِكَةُ هُمْ الْحَفَظَةُ الْكِرَامُ وَأَنْ يَكُونَ التَّعَاقُبُ فِيمَا يَخُصُّ كُلَّ إنْسَانٍ مِمَّا فِي وَقْتِ صَلَاتِهِ.
(فَصْلٌ):
وَسُؤَالُهُ لَهُمْ تَعَالَى وَهُوَ أَعْلَمُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَعَبُّدًا لِلْمَلَائِكَةِ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبُوا وَيُحْصُوا أَعْمَالَ الْعِبَادِ وَهُوَ عَالِمٌ بِسِرِّهِمْ وَجَهْرِهِمْ.
(ش): أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ لِلنَّاسِ لِأَنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ الصَّحَابَةِ وَأَعْلَمَهُمْ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ أَحَقَّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَفْضَلُهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فَقَالَ مَالِكٌ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَفْقَهُهُمْ إذَا كَانَتْ لَهُ حَالٌ حَسَنَةٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَكُونُ عَالِمًا حَتَّى يَكُونَ قَارِئًا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الظَّاهِرِ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَكْبَرُهُمْ وَمَعْنَى الْخِلَافِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ فَقِيهًا عَالِمًا وَيَقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يُقِيمُ بِهِ صَلَاتَهُ وَلَا يَقْرَؤُهُ كُلَّهُ وَيَكُونُ الْآخَرُ قَارِئًا لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ حَسَنَ التِّلَاوَةِ وَيَعْلَمُ إقَامَةَ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَفْقَهُ فِي أَحْكَامِهَا وَلَا يَعْلَمُ دَقَائِقَ أَحْكَامِ السَّهْوِ فِيهَا فَيَكُونُ أَحَقُّهُمَا الْفَقِيهَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَالٌ حَسَنَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ تَقْدِيمُ النَّبِيِّ ﷺ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا كَانَ أَعْلَمَ الصَّحَابَةِ وَأَفْضَلَهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ.
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ أُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي تَفْتَقِرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَدْ اسْتَوَيَا فِيهِ وَالصَّلَاةُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَطْرَأَ فِيهَا عَلَى الْإِمَامِ مَا لَا يَعْلَمُ حُكْمَهُ الْقَارِئُ فَيُفْسِدُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَنْفَرِدُ بِهِ الْفَقِيهُ.
(فَصْلٌ):
وَقَوْلُ عَائِشَةَ إنَّ أَبَا بَكْرٍ إذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَا حُكْمُهَا الْجَهْرُ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبُكَاءَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَلِذَلِكَ أَقَرَّهَا عَلَى اعْتِرَاضِهَا عَلَيْهِ بِالرَّأْيِ بَعْدَ نَصِّهِ عَلَى الْحُكْمِ.
(فَصْلٌ):
وَقَوْلُهُ ﷺ جَوَابًا لِعَائِشَةَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْكِ اعْتِبَارِ شَيْءٍ مِمَّا اعْتَرَضَتْ بِهِ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إنَّ أَبَا بَكْرٍ إذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّكْرَارِ وَالتَّأْكِيدِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ مَرَضُ النَّبِيِّ ﷺ وَشِدَّةُ وَجَعِهِ قَدْ مَنَعَهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ قَوْلِهَا فَهَابَتْ عَائِشَةُ أَنْ تُرَاجِعَهُ فِي الْقَوْلِ وَأَرَادَتْ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِذَلِكَ غَيْرُهَا وَيَتَكَرَّرُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ الْقَوْلُ مِنْ جَمَاعَةٍ فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى الْإِصْغَاءِ إلَيْهِ.
(فَصْلٌ):
وَقَوْلُهُ ﷺ إنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ يُرِيدُ جِنْسَ النِّسَاءِ أَنَّهُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ وَأَتَى بِلَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى مَعْنَى الْجِنْسِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يَمِيلُ إلَى النِّسَاءِ
1 / 305