المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال
محقق
محب الدين الخطيب
كَمَال فَلَا بُد أَن يَتَّصِف بهَا سَوَاء قَالُوا إِنَّه لَا يتَعَلَّق بمشيئته وَقدرته وَهُوَ معنى قَائِم بِالنَّفسِ أَو حُرُوف اَوْ أصوات قديمَة أَو قَالُوا إِنَّه مُتَعَلق بمشيئته وَأَنه تكلم بعد أَن لم يكن متكلما أَو أَنه لم يزل متكلما إِذا شَاءَ
وَالْكذب صفة نقص كالصمم والبكم والعمى وَمَعَ أَنه يخلق خلقه متصفين بذلك وَلَا يقوم بِهِ فَكَذَلِك يخلق الْكَذِب فِي الْكَاذِب وَلَا يقوم بِهِ
السَّادِس أَن هَذَا السُّؤَال وَارِد عَلَيْكُم فَإِنَّكُم تَقولُونَ يخلق فِي غَيره كلَاما يكون كَلَامه مَعَ كَونه قَائِما بِغَيْرِهِ وَهُوَ مَخْلُوق وَأَن الْكَلَام الَّذِي يتَكَلَّم بِهِ الْعباد لَيْسَ هُوَ كَلَامه وَلَا مخلوقا لَهُ فَإِذا كَانَ هَذَا صدقا وَهَذَا صدقا فَلَا بُد أَن يعترفوا أَن هَذَا كَلَامه وَهَذَا لَيْسَ بِكَلَامِهِ
وقولك وَجَاز إرْسَال الْكذَّاب فَنَقُول لَا ريب أَن الله يُرْسل الْكذَّاب كَقَوْلِه ﴿ألم تَرَ أَنا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين تؤزهم أزا﴾ وَكَقَوْلِه ﴿بعثنَا عَلَيْكُم عبادا لنا﴾ لَكِن لَا يكون ذَا إِلَّا مَقْرُونا بِمَا يبين كذبهمْ كَمَا فِي مثل مُسَيْلمَة وَالْأسود الْعَنسِي وَلَيْسَ فِي إرسالهم مَا يمْنَع التَّمْيِيز بَين الصَّادِق والكاذب
وَإِذا خلق من يَدعِي النُّبُوَّة وَهُوَ كَاذِب فَإِن قَالُوا يجوز إِظْهَار أَعْلَام الصدْق عَلَيْهِ كَانَ هَذَا مَمْنُوعًا وَهُوَ بَاطِل بالإتفاق وَإِن قَالُوا لَا لم يكن مُجَرّد إدعاء النُّبُوَّة بِلَا علم على الصدْق ضارا فَإِن مدعي الطِّبّ أَو أَنه صانع بِلَا علم يدل على صدقه لم يلْتَفت إِلَيْهِ فَكيف مدعي النُّبُوَّة
وَإِن قَالُوا إِذا جوزتم عَلَيْهِ أَن يخلق الْكَذِب فِي الْكذَّاب فجوزوا عَلَيْهِ أَن يظْهر على يَدَيْهِ أَعْلَام الصدْق قيل هَذَا مُمْتَنع
لِأَن أَدِلَّة الصدْق تَسْتَلْزِم الصدْق إِذْ الدَّلِيل مُسْتَلْزم للمدلول وَإِظْهَار أَعْلَام الصدْق على الْكذَّاب مُمْتَنع لذاته
وَإِن قَالُوا جوزوا أَن يظْهر على يَدَيْهِ خارق قُلْنَا نعم فَنحْن نجوز ذَلِك لمُدعِي الإلهية كالدجال وَيجوز الخارق لمُدعِي النُّبُوَّة لَكِن على وَجه لَا يدل على صدقه كالساحر والكاهن
1 / 141