منه، إذا لا يكفي الواحد في تزكية الشاهد، كما مر التنبيه عليه. وما أوضح دلالة هذا التخصيص على ما أشرنا إليه في الجواب عن الوجه الأول، من أن النظر في أصل الحكم بقبول الواحد في تزكية الراوي إنما هو إلى القياس ممن يعمل به، ويشهد لذلك أيضا أن مصنفي كتب الأصول المعروفة لم يذكروا غير الوجه الأول من الحجة في استدلالهم لهذا الحكم، وضميمة الوجهين الآخرين من استخراج بعض المعاصرين.
والجواب عن الثالث (1) أن اعتبار العلم هو مقتضى دليل الاشتراط، ودعوى أغلبية التعذر فيه وفيما يقوم مقامه لا وجه لها، وربما وجهت بالنسبة إلى موضع الحاجة من هذا البحث، وهو عدالة الماضين من رواة الحديث، بأن الطريق إلى ذلك منحصر في النقل، والقدر الذي يفيد العلم منه عزيز الوجود بعيد الحصول، وشهادة الشاهدين موقوفة في الأظهر على العلم بالموافقة في الأمور التي تتحقق بها العدالة وتثبت، وما إلى ذلك من سبيل، فإن آراء المؤلفين لكتب الرجال الموجودة الآن سوى العلامة في هذا الباب غير معروفة، وليس بشئ، فإن تحصيل العلم بعدالة كثير من الماضين وبرأي جماعة من المزكين أمر ممكن بغير شك من جهة القرائن الحالية والمقالية إلا أنها خفية المواقع، متفرقة المواضع، فلا يهتدي إلى جهاتها، ولا يقتدر جمع أشتاتها إلا من عظم في طلب الإصابة جهده وكثر في تصفح الآثار كده، ولم يخرج عن حكم الإخلاص في تلك الأحوال قصده.
وأما ما ذكره جماعة من أن العدالة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلا الله، وما هذا شأنه لا يتصور فيه إناطة التكليف بالعلم، فكلام شعري ناش عن قصور المعرفة بحقيقة العدالة، أو مبني على خلاف ضعيف في بعض قيودها، وليس هذا موضع تحقيق المسألة، قد ذكرناه مستوفى غير موضع من كلامنا فليرجع إليه من أراد الوقوف عليه.
صفحة ٢١