آخر المنتقى من المجلس الثامن عشر والمائة من أمالي ابن السمرقندي 48- أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد البزاز، أنا عبيد الله بن أحمد بن علي المقرئ الصيدلاني، نا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد البزاز، المعروف بابن المطبقي، قراءة عليه، نا علي بن حرب، نا أبو أيوب يعلى بن عمران البجلي -من ولد جرير بن عبد الله- حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي، عن أبيه -وأتت له خمسون ومائة سنة- قال:
لما كانت ليلة ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، #51# ورأى الموبذان إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها فلما أصبح كسرى أفزعه ما رأى، فصبر عليه تشجعا فلما عيل صبره، رأى أن لا يستر ذلك عن وزرائه ومرازبته، فجمعهم إليه، ولبس تاجه، وقعد على سريره، فأخبرهم بما رأى، فبينا هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النار فازداد غما.
فقال الموبذان: وأنا -أصلح الله الملك- قد رأيت هذه الليلة، وقص عليه رؤياه في الإبل.
فقال: إيش يكون هذا يا موبذان؟ -وكان أعلمهم في أنفسهم-.
فقال: حادثة تكون من ناحية العرب.
فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك، إلى النعمان بن المنذر؛ أما بعد: فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه.
فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن بقيلة الغساني.
فلما قدم عليه، قال: عندك علم بما أريد أن أسألك عنه؟
قال: ليخبرني الملك.
فأخبره بما رأى.
فقال: علم ذلك عند خالي يسكن مشارق الشام يقال له: سطيح.
قال: فاته فسله عما أخبرتك، ثم ائتني فأخبرني بجوابه.
فركب عبد المسيح راحلته، حتى ورد على سطيح وقد أشفى على الموت، فسلم عليه، وحياه، فلم يجز إليه سطيح جوابا، فأنشأ عبد المسيح عند ذلك يقول:
أصم أم يسمع غطريف اليمن ... أم فاز فازلم به شأو العنن
يا فاصل الخطة أعيت من ومن ... أتاك شيخ الحي من آل سنن
وأمه من آل ذئب بن مجن ... أزرق لهم الناب صرار الأذن
لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن ... تجوب بي الأرض علنداة شجن
أبيض فضفاض الرداء والبدن ... رسول قيل العجم يسرى للوسن
يرفعني وجنا ويهوي بي وجن ... حتى أتى عاري الجاجي والقطن
تلفه في الريح بوغاء الدمن ... كأنما حثحث من حضني ثكن
قال: فلما سمع سطيح شعره، رفع رأسه وقال: عبد المسيح على جمل، مشيح إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان، وخمود #53# النيران، ورؤيا الموبذان؛ رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها، يا عبد المسيح، إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة ، وخمدت نار فارس، وغاضت بحيرة ساوة، وفاض وادي السماوة، فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت.
ثم قضى سطيح مكانه، فثار عبد المسيح إلى راحلته، وهو يقول:
شمر فإنك ماضي الهم شمير ... لا يفزعنك تفريق وتغيير
إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم ... فإن في الدهر أطوار دهارير
فربما ربما أضحوا بمنزلة ... يهاب صولهم الأسد المهازير
منهم أخو الصرح بهرام وإخوته ... والهرمزان وسابور وسابور
والناس أولاد علات فمن علموا ... أن قد أقل فمحقور ومهجور
وهم بنو الأم أما إن رأوا نشبا ... فذاك بالغيب محفوظ ومنصور
والخير والشر مقرونان في قرن ... فالخير متبع والشر محذور
فلما قدم عبد المسيح على كسرى، أخبره بقول سطيح.
فقال: كسرى: إلى أن يملك منا أربعة عشرة ملكا، قد كانت أمور.
فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك منهم الباقون إلى خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
صفحة ٥٠