72- فأجابهم الأعوان: نبحث عن الصواع، وهو إناء الملك الذى يشرب به، ومكافأة من يأتى به حمل جمل من الطعام، وأكد رئيسهم ذلك، فقال: وأنا بهذا الوعد ضامن وكفيل.
73- قال إخوة يوسف: إن اتهامكم إيانا بالسرقة لعجيب، ونؤكد بالقسم أن فيما ظهر لكم من أخلاقنا وتمسكنا بديننا فى مرتى مجيئنا ما يؤكد علمكم أننا لم نأت بغية الإفساد فى بلادكم، وما كان من أخلاقنا أن نكون من السارقين.
[12.74-77]
74- وكان يوسف قد أوحى إلى أتباعه أن يكلوا إلى إخوته تقدير الجزاء الذى يستحقه من وجد الصواع عنده، تمهيدا لأخذ أخيه منهم بحكمهم، وليكون قضاؤهم مبرما لا وجه للشفاعة فيه، فقالوا لهم: فماذا يكون جزاء السارقين عندكم إن ظهر أنه منكم؟
75- ولوثوق أبناء يعقوب بأنهم لم يسرقوا الصواع، قالوا غير متلجلجين: جزاء من أخذ الصواع أن يؤخذ رقيقا، فبمثل هذا الجزاء نجازى الظالمين الذين يأخذون أموال الناس.
76- وانتهى الأمر إلى تفتيش الرحال، وكان لا بد من الأحكام حتى لا يظهر فى تنفيذ الخطة افتعال، وتولى يوسف التفتيش بنفسه، بعد أن مهد الأمر، فبدأ بتفتيش أوعية العشرة الأشقاء، ثم انتهى إلى تفتيش وعاء أخيه، فأخرج السقاية منه، وبذلك نجحت حيلته، وحق له بقضاء إخوته أن يحتجز بنيامين، وهكذا دبر الله الأمر ليوسف فما كان فى استطاعته أخذ أخيه بمقتضى شريعة ملك مصر إلا بإرادة الله، وقد أرادها، فدبرنا الأمر ليوسف ووفقناه إلى ترتيب الأسباب وإحكام التدبير والتلطف فى الاحتيال، وهذا من فضل الله الذى يعلى فى العلم منازل من أراد، وفوق كل صاحب علم من هو أعظم، فهناك من يفوقه فى علمه.
77- وكان إخراج الصواع من حقيبة أخيه مفاجأة أخجلت إخوته، فتنصلوا باعتذار يبرئ جماعتهم دونه، ويطعنه هو ويوسف، ويوحى بأن السرقة طبع ورثاه من قبل الأم، وقالوا: ليس بعجيب أن تقع منه سرقة إذ سبقه إلى ذلك أخوه الشقيق، وفطن يوسف إلى طعنهم الخفى، فساءه، ولكنه كتم ذلك، وأضمر فى نفسه جوابا لو صارحهم به لكان هذا الجواب: أنتم أسوأ منزلة وأحط قدرا، والله أعلم وأصدق علما بكلامكم الذى تصفون به أخاه بوصمة السرقة.
[12.78-80]
78- ولم يكن بد من محاولة لتخليص أخيهم أو افتدائه، رجاء أن تصدق مواثيقهم ليعقوب، فاتجهوا إلى ترقيق قلب يوسف بحديث الأبوة فى شيخوختها وقالوا له: - أيها العزيز - إن لأخينا أبا طاعنا فى السن، فإن رحمته قبلت واحدا منا ليلقى الجزاء بدل ابنه هذا الذى تعلق به قلبه، وأملنا أن تقبل الرجاء، فقد جربنا عادتك الكريمة، وتأكد لنا انطباعكم عن حب الإحسان وعمل المعروف.
79- وما كان ليوسف أن ينقض تدبيرا وفقه الله إليه، ويفلت من يده أخاه، ولذلك لم يلنه استعطافهم، وردهم ردا حاسما، وقال لهم: إنى ألجأ إلى الله منزها نفسى عن الظلم فأحتجز غير من عثرنا على ما لنا معه، إذ لو أخذنا سواه بعقوبته لكنا من المعتدين الذين يأخذون البرئ بذنب المسئ.
صفحة غير معروفة