ـ[مختصر التحفة الاثني عشرية]ـ ألّف أصله باللغة الفارسية: علامة الهند شاه عبد العزيز غلام حكيم الدهلوي نقله من الفارسية إلى العربية: (سنة ١٢٢٧ هـ) الشيخ الحافظ غلام محمد بن محيي الدين بن عمر الأسلمي اختصره وهذبه: (سنة ١٣٠١ هـ) علامة العراق محمود شكري الألوسي حققه وعلق حواشيه: محب الدين الخطيب الناشر: المطبعة السلفية، القاهرة عام النشر: ١٣٧٣ هـ عدد الأجزاء: ١ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] _________ (تنبيه): بالنسخة الإلكترونية هوامش كثيرة زيادة على هوامش المطبوعة

صفحة غير معروفة

تقديم - بسم الله الرحمن الرحيم - الحمد لك اللهم لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد، وسلم تسليما كثيرا. وبعد فإن الإسلام امتاز على أنظمة الدين والدنيا جميعا بكماله، ووفائه بحاجة المجتمع الإنساني ليكون به سعيدا في كل زمان ومكان، كما أمتاز بحفظ الله له - في أصليه الأصيلين: القرآن الحكيم والحديث النبوي - بما لم يسبق له نظير في كل هداية عرفها البشر. والمسلمون الأولون - الذين تولى الهادي الأعظم ﷺ تربيتهم وتوجيههم وإعدادهم للاضطلاع بمهمة الإسلام العظمى - كانوا المثل الكامل للعمل بالإسلام: في إيمانهم، وطاعتهم لله، وأخلاقهم الكريمة، وسياستهم الحكيمة، وفتوحهم الرحيمة، وتكوينهم المجتمع الإسلامي الصالح، والدولة الإنسانية المثاليّة. وقد كافأهم الله على ذلك بانتشار رسالته على أيديهم، وذيوع دعوته بين الأمم اقتداء بهم، واتباعا لهم. ولما تخطت رسالة الإسلام حدود الجزيرة العربية المباركة - فدخلت العراق وإيران شرقا، والشام شمالا، ومصر وإفريقية غربا - كان ذلك سعادةً للخيار من أهل البلاد المفتوحة، وغذاء لعقولهم، وبهجةً وحبورا تطمئن بهما قلوبهم. وشجى للأشرار منهم، وغصةً في حلوقهم، ومبعث إحنةٍ وغلٍّ تسمّمت بهما دماؤهم وأرواحهم.

مقدمة / 3

إن الأخيار من طبقات سالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، فالحسن البصري، وعبد الله بن المبارك، فمحمد بن إسماعيل البخاري، وأبي حاتم الرازي، وابنه عبد الرحمن، وأندادهم وتلاميذهم، استقبلوا هداية الإسلام السليمة الأصلية بأرواحهم وعقولهم، وفتحوا لها أبوابهم وصدورهم، وأحلوا لغتها محلَّ لغاتهم، وعملوا بسننها بدلا من سننهم، ونسخوا بإيمانها كل ما كانوا - أو كان آباؤهم - عليه من قبل. فساهموا في حفظ كتاب الله وسنة رسوله الأعظم، وحرصوا على فهمها كما كان يفهمها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل ومن ائتم بهم وسار على منهاجهم، حتى صاروا بنعمة الله إخوانا للمسلمين كصالحي المسلمين، وأئمة المسلمين كسائر أئمة المسلمين. وإن الأشرار من طبقة الهُرمُزان، وعبد الله بن سَبَأ، وعبد الله بن يسار، وأبي بكر الكرُّوس، ورُشيد الهجريّ، ومحمد بن أبي زينب، والأحول الخبيث شيطان الطاق، وجهم بن صفوان، وتلميذه هشام بن الحكم الذي كان غلاما لأبي شاكر الديصاني، وهشام الآخر وهو ابن سالم الجواليقي وكان يقول إن الله جسم ذو أبعاد ثلاثة، والأحوص أحمد ابن إسحاق القمي الذي اخترع لشيعة عصره عيد بابا شجاع الدين، (١) وبنو أعين: زرارة وبكير وحمران وعيسى وعبد الجبار، والمفضل بن عمر الذي وصفه جعفر الصادق بأنه كافر ومشرك وعده قدماء الشيعة من الغلاة، ثم جاء شيعة عصرنا ينافحون عنه ويعتذرون له بأن ما كان يعده قدماؤهم غلوا أصبح اليوم من ضروريات التشيع في شكله الحاضر (انظر كتابهم تنقيح المقال للمامقاني ٣: ٢٤٠ - ٢٤١) وهذا اعتراف علمي في أهم كتبهم في الجرح والتعديل بأنهم الآن كلهم غلاة كما كان المفضل بن عمر الذي وصفه جعفر الصادق بالكفر والإشراك، وإعلان منهم بأن المذهب الشيعي استقر الآن على ذلك الغلو، وكل ما كان يعد في السابق غلوا فهو اليوم من ضروريات المذهب. _________ (١) هو لقب لقبوا به أبا لؤلؤة اللعين قاتل أمير المؤمنين عمر.

مقدمة / 4

إن الأشرار ممن سمينا، وألوفا كثيرة من أمثالهم، قد أبغضوا من صميم قلوبهم أصحاب محمد ﷺ وأحبابه وأعوانه على الحق، لأنهم أطفأوا نار المجوسية إلى الأبد، وأدخلوا إيران في نطاق دولة الإسلام، وأقاموا المسجد الأقصى على أنقاض الهيكل. فهذا (الذنب) الذي ارتكبه نحو المجوسية واليهودية أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وأبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص ويزيد ومعاوية ابنا أبي سفيان، وسائر إخوانهم من الفاتحين والصالحين، لن ينساه لهم مبغضوهم من اليهود والمجوس. وقد قاوم أسلافهم زحف الإسلام وامتداد رسالته بأسلحتهم ودسائسهم جيشا لجيش، وجهادا لجهاد، ومعركة بعد معركة، حتى هزمهم الله في كل موقف، وخذلهم في كل ملحمة. فباتوا ينتظرون الفرص السانحة، ويترقبون للمسلمين الأولين ما يترقبه المبطلون لأهل الحق في كل زمان ومكان. فلما لم ينالوا منهم شيئا، وطالت عليهم خلافة أمير المؤمنين عمر، واتسعت الفتوح في زمنه، وانتشرت كلمة الإسلام في آفاق مترامية الأطراف، تآمروا حينئذ على سفك دم عمر وهو حمو رسول الله أبو أم المؤمنين حفصة، وصهر علي بن أبي طالب زوج بنته أم كلثوم الكبرى التي ولدت له ابنه زيدا وبنته رقية، وأم كلثوم بنت علي هي التي كانت في بيت أمير المؤمنين عمر لما تآمر على قتله الهرمزان وأبو لؤلؤة وغيرهما. ولا يزال الشيعة إلى اليوم مسرورين بما ساء عليا وبنته أم كلثوم وسائر أهل البيت من سفك دم أعدل من حكم في الأرض بعد محمد ﷺ وصاحبه في الغار المجاور لهما في المدفن النبوي الطاهر جوارا لا ينقطع في الدنيا ولا الآخرة. وقد ظن المجوس الذين قتلوا عمر أنهم قد قتلوا الإسلام بقتله، ولكنهم ما لبثوا أن علموا أنهم باءوا من هذه بمثل الذي باءوا به من تلك، وحفظ الله رسالته، وحاط دعوة الحق بعين عنايته وجميل رعايته، وعادت جيوش الإسلام في خلافة ذي النورين توغل فيما وراء إيران، وتفتح لكلمة الله آفاقا أخرى متجاوزة الحد المنيع الذي كانوا يسمونه «باب الأبواب»، فلم تكن على وج الأرض يومئذ - ولا في العصر التالية إلى يوم القيامة - رايات تخفق بالنصر والعدل والرحمة كهذه الرايات النيرة الظافرة.

مقدمة / 5

حينئذ أيقن المجوس واليهود أن الإسلام إذا كان إسلاما محمديا صحيحا لا يمكن أن يحارب وجها لوجه في معارك شريفة سافرة، ولا سبيل إلى سحقه باغتيال أئمته وعظمائه. فأزمعوا الرأي أن يظاهروا بالإسلام، وأن ينخرطوا في سلكه، وأن يكونوا (الطابور الخامس) في قلعته. ومن ذلك الحين رسموا خطتهم على أن يحتموا بحائط يقاتلون من ورائه الرسالة المحمدية وأهلها الأولين، فتخيروا اسم «علي» ليتخذوه ردءا لهم. وأول من اختار ذلك لهم يهوديٌّ ابن يهودي من أخبث من ولدتهم نساء اليهود منذ عبدوا العجل في زمن موسى إلى أن اخترعوا الفكرة الصهيونية في الزمن الأخير. نقل المامقاني في كتابهم تنقيح المقال (٢: ١٨٤) عن الكشي رأس علمائهم في الجرح والتعديل ما نصه: «وذكر أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا، وكان يقول - وهو على يهوديته - في يوشع بن نون (وصي موسى)، فقال في إسلامه في علي مثل ذلك وكان (أي عبد الله بن سبأ) أول من شهر القول بإمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه (ومراد الكشي من أعداء علي إخوانه وأحبابه أصحاب رسول الله ﷺ)، وكاشف مخالفيه وكفرهم. فمن هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهود». انتهى كلام الكشى إمام الشيعة في الجرح والتعديل ومؤرخ الرواية والرواة في نحلتهم، وما ينبئك مثل خبير. وعبد الله بن سبأ كان ملعونا على لسان علي بن أبي طالب سلام الله عليه، ودعوته كانت مرذولة فيما كان يدين الله به كرم الله وجهه، وقد طارد هذا الملعون وحرق بالنار من وصلت إليهم يده من أصحابه ودعاته، وهذا هو المنتظر من إمام صالح راشد طالما خطب على منبر الكوفة فقال على رؤوس الأشهاد: «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر» روي ذلك عنه من ثمانين وجها ورواه البخاري وغيره، وكان كرم الله وجهه يقول «لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري». ولما بلغت الجرأة والفجور باثنين من المتسممين بسموم عبد الله بن سبأ - ويقال لهما عجل وسعد ابنا عبد الله - فنالا

مقدمة / 6