ومنها أني أريد من كل قلبي أن يزول الخلاف من بين المسلمين بتاتا أو يتلطف ويخف ، أو يبقى ولكن لا يكون مجهولا على الأقل فيجسمه الجهل ويزيده قبحا وبشاعة . وهو كما تعلم دائما الحاجز الحصين بين الحقيقة والإنسان في كل شيء من هذه الحياة . و إنه لمن المؤلم أن أقول : إني جالست كثيرا من العلماء المشهورين و الأدباء المعروفين ، وقد يصادف أن يكون موضوع حديثهم الفقه مثلا ، فتراهم يتحاورون ولكن لا يدور حوارهم إلا حول أقوال أئمة المذاهب الأربعة . ولا يذكرون المعتزلة إلا في أمهات علم الكلام ، ولا يجري على ألسنتهم ذكر المذهب الأباضي مطلقا . وكثيرا ما أقول لهم : وعند الأباضية كذا وكذا ، إلفاتا لنظرهم بلطف وأدب إلى لزوم اعتبار أقواله من الفقه الإسلامي ولو مجاملة . وقد يجاوبك أحدهم بما لا يفسر إلا بالمجاراة السطحية . إن تكرر الحال على هذا المنوال بالرغم من التعريض بنحو ما تقدم يدلنا دلالة لا تدع مجالا للشك على أن القوم لا يخلو حالهم ، أما أن يكونوا على جهل تام بهذا المذهب بحيث يجدون أنفسهم مجبورين على تجنب البحث في أقواله أو التقصير فيه ، والجهل عيب غير مغفور خصوصا بالنسبة للطبقة البارزة في الأمة. و أما أن يكون ذلك ناشئا عما تمركز في نفوسهم من أنه لا يوجد للمسلمين مذهب رسمي غير المذاهب الأربعة ، وهذا ما جعلهم يقفون من غيرهم ذلك الموقف المشين ، وإن كان فيه ما يحرج خاطر جليسهم من عدم احترامهم لمذهبه وقلة الاكتراث به . ومع ما فيه فهو اعتقاد لا يقرهم عليه أي مخالف للمذاهب الأربعة . انظر إلى أي حد بلغ حال بعض المسلمين من التعصب المذهبي ، ثم انقل النظر إلى علماء الأباضية فإنك تجدهم أحسن حالا من هذه الجهة ، فإنهم يعتبرون أقوال مخالفيهم من أهل القبلة كل الاعتبار ، ويسوقونها في تأليفهم ، قال الإمام السالمي رحمه الله :
صفحة ٥