مختصر تفسير ابن كثير
الناشر
دار القرآن الكريم
رقم الإصدار
السابعة
سنة النشر
١٤٠٢ هجري
مكان النشر
بيروت
تصانيف
التفسير
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ، تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يدخلوا في الإسلام، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ، ولهذا قال: ﴿تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عن النكر وَتُؤْمِنُونَ بالله﴾، قال الإمام أحمد: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أي الناس خير؟ قال: «خير الناس أقرأهم وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ وَآمَرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ» وعن ابن عباس في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المدينة. والصحيح أنه هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأُمَّةِ كُلُّ قَرْنٍ بِحَسْبِهِ، وَخَيْرُ قُرُونِهِمُ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثم الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ أي خيارًا ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس﴾ الآية.
وفي مسند أحمد وجامع الترمذي مِنْ رِوَايَةِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أنتم خيرها وأكرمها عَلَى اللَّهِ ﷿» وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، وقد حسَّنه الترمذي، وَإِنَّمَا حَازَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَصَبَ السَّبْقِ إِلَى الخيرات، بنبيِّها محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإنه أشرف خلق الله وأكرم الرُّسُلِ عَلَى اللَّهِ، وَبَعَثَهُ اللَّهُ بِشَرْعٍ كَامِلٍ عظيم، لم يعطه نبي قبله ولا رسول مِنَ الرُّسُلِ، فَالْعَمَلُ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسَبِيلِهِ، يَقُومُ الْقَلِيلُ مِنْهُ مَا لَا يَقُومُ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ من أعمال غيرهم مقامه، وفي الحديث: «وجعلت أمتي خير الأمم» (رواه الإمام أحمد عن علي بن أبي طالب)
وقد وردت أحاديث يناسب ذكرها ههنا: عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أُعْطِيتُ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قلب رجل واحد، فاستزدت ربي فَزَادَنِي مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعِينَ أَلْفًا»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ﵁: فَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ آتٍ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَمُصِيبٌ مِنْ حافات البوادي (رواه الإمام أحمد)
(حديث آخر): قال الإمام أحمد، عَنِ ابْنُ مَسْعُودٍ ﵁ قَالَ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأمم بالموسم فراثت (فراثت: تأخرت) عليّ أمتي، ثم رأيتهم فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم، قد ملؤوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ، فَقَالَ: أَرَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: فَإِنَّ مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: «أَنْتَ مِنْهُمْ»، فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ».
(حَدِيثٌ آخَرُ): قَالَ الطبراني، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عقاب»، قِيلَ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ».
1 / 308