187

مختصر تفسير ابن كثير

الناشر

دار القرآن الكريم

رقم الإصدار

السابعة

سنة النشر

١٤٠٢ هجري

مكان النشر

بيروت

تصانيف

التفسير
شَهِدَ تَعَالَى وَكَفَى بِهِ شَهِيدًا وَهُوَ أَصْدَقُ الشَّاهِدِينَ وَأَعْدَلُهُمْ وَأَصْدَقُ الْقَائِلِينَ ﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ أي المنفرد بِالْإِلَهِيَّةِ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ، وَأَنَّ الْجَمِيعَ عَبِيدُهُ وَخَلْقُهُ وفقراء إِلَيْهِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ﴾ الآية، ثُمَّ قَرَنَ شَهَادَةَ مَلَائِكَتِهِ وَأُولِي الْعِلْمِ بِشَهَادَتِهِ فَقَالَ: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا هو والملائكة وألو الْعِلْمِ﴾، وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ عَظِيمَةٌ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ. ﴿قَآئِمًَا بِالْقِسْطِ﴾ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَهُوَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ كَذَلِكَ. ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ تَأْكِيدٌ لِمَا سَبَقَ، ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ الْعَزِيزُ الَّذِي لَا يُرَامُ جَنَابُهُ عَظَمَةً وَكِبْرِيَاءً ﴿الْحَكِيمُ﴾ في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره. عن الزبير بن العوام قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ بِعَرَفَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿شَهِدَ اللَّهُ إِنَّهُ لاَ إله إلا هو والملائكة وأول الْعِلْمِ قَآئِمًَا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العزيز الحكيم﴾، ثم قال: وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ يَا رَبِّ (رواه أحمد وابن أبي حاتم)
وعن غَالِبٌ الْقَطَّانُ قَالَ: أَتَيْتُ الْكُوفَةَ فِي تِجَارَةٍ فَنَزَلْتُ قَرِيبًا مِنَ الْأَعْمَشِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةٌ أَرَدْتُ أَنْ أَنْحَدِرَ، قَامَ فَتَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ فَمَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿شَهِدَ اللَّهُ إِنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًَا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ ثُمَّ قَالَ الْأَعْمَشُ: وَأَنَا أَشْهَدُ بِمَا شَهِدَ اللَّهُ بِهِ وَأَسْتَوْدِعُ اللَّهَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَهِيَ لِي عِنْدَ اللَّهِ وَدِيعَةٌ ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ قَالَهَا مِرَارًا. قُلْتُ: لَقَدْ سَمِعَ فِيهَا شَيْئًا، فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ فَوَدَّعْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنِّي سَمِعْتُكَ تُرَدِّدُ هَذِهِ الْآيَةَ، قَالَ: أَوَمَا بَلَغَكَ مَا فِيهَا؟ قُلْتُ: أَنَا عِنْدَكَ مُنْذُ شَهْرٍ لَمْ تُحَدِّثْنِي! قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُحَدِّثُكَ بِهَا إِلَى سَنَةٍ؛ فَأَقَمْتُ سَنَةً فَكُنْتُ عَلَى بَابِهِ، فَلَمَّا مَضَتِ السَّنَةُ، قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ مَضَتِ السَّنَةُ. قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يُجَاءُ بِصَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ ﷿: عَبْدِي عَهِدَ إِلَيَّ، وَأَنَا أَحَقُّ من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة" (رواه الطبراني في الكبير)
وقوله تعالى: ﴿إن الدِّينَ عِندَ الله الإسلام﴾ إخبار منه تَعَالَى بِأَنَّهُ لَا دِينَ عِنْدَهُ يَقْبَلُهُ مِنْ أَحَدٍ سِوَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ اتِّبَاعُ الرُّسُلِ فِيمَا بَعَثَهُمُ اللَّهُ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ، حَتَّى خُتِمُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ الَّذِي سَدَّ جَمِيعَ الطُّرُقِ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَمَنْ لَقِيَ الله بعد بعثة محمد ﷺ بِدِينٍ عَلَى غَيْرِ شَرِيعَتِهِ فَلَيْسَ بِمُتَقَبَّلٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ الآية، وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُخْبِرًا بِانْحِصَارِ الدِّينِ المتقبل منه عِنْدَهُ فِي الإِسلام: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسلام﴾ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ الأول إنما اختلفوا بعد ما قامت عليه الحجة بإرسلا الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ، وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ أَيْ بَغَى بعضهم على بعض، فاختلفوا في الحق بتحاسدهم وَتَبَاغُضُهِمْ وَتَدَابُرِهِمْ، فَحَمَلَ بَعْضَهُمْ بُغْضُ الْبَعْضِ الْآخَرِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَإِنْ كانت حقًا، ثُمَّ قال تعالى: ﴿ومن يَكْفُرْ بِآيَاتِ الله﴾ أي من جحد ما أنزل الله في كتابه ﴿فَإِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ أي فَإِنَّ اللَّهَ سَيُجَازِيهِ عَلَى ذَلِكَ وَيُحَاسِبُهُ عَلَى تَكْذِيبِهِ وَيُعَاقِبُهُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ كِتَابَهُ.

1 / 272