130

مختصر تفسير ابن كثير

الناشر

دار القرآن الكريم

رقم الإصدار

السابعة

سنة النشر

١٤٠٢ هجري

مكان النشر

بيروت

تصانيف

التفسير
- ٢٠٨ - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
- ٢٠٩ - فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
يأمر الله تعالى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، الْمُصَدِّقِينَ بِرَسُولِهِ، أَنْ يَأْخُذُوا بجمع عُرَى الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ، وَالْعَمَلِ بِجَمِيعِ أَوَامِرِهِ، وَتَرْكِ جَمِيعِ زَوَاجِرِهِ مَا اسْتَطَاعُوا مِنْ ذَلِكَ. قَالَ العوفي عن ابن عباس: ﴿ادخلو فِي السلم﴾ يعني الإسلام، وقال الضحّاك وأبو العالية: يعني الطاعة، وقوله ﴿كَآفَّةً﴾ قال ابن عباس وأبو العالية وعكرمة: جَمِيعًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيِ اعْمَلُوا بِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ ووجوه البر.
ومن المفسرين من يجعل قوله تعالى ﴿كَآفَّةً﴾ حالًا من الداخلين، أي ادخلوا الْإِسْلَامِ كُلُّكُمْ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُمْ أُمِرُوا كُلُّهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِجَمِيعِ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا مَا اسْتَطَاعُوا مِنْهَا، كما قال عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادخلو فِي السلم كَآفَّةً﴾ يعني مؤمنين أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مَعَ الْإِيمَانِ بِالْلَّهِ مستمسكين ببعض أُمور التَّوْرَاةِ وَالشَّرَائِعِ التِي أُنزلت فِيهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿ادخلو فِي السِّلْمِ كَآفَّةً﴾ يَقُولُ: ادْخُلُوا فِي شَرَائِعِ دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَلَا تدعوا منها شيئًا، وحسبكم الإيمان بالتوراة وما فيها.
وقوله تعالى: ﴿ولا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان﴾ أي اعملوا بالطاعات، وَاجْتَنِبُوا مَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ الشَّيْطَانُ فَ ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾، وَ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾، ولهذا قال: ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِن زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ أَيْ عَدَلْتُمْ عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ مَا قَامَتْ عَلَيْكُمُ الْحُجَجُ، فَاعْلَمُوا إِنَّ اللَّهَ ﴿عَزِيزٌ﴾ أَيْ فِي انْتِقَامِهِ لَا يَفُوتُهُ هَارِبٌ وَلَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، ﴿حَكِيمٌ﴾ فِي أَحْكَامِهِ وَنَقْضِهِ وَإِبْرَامِهِ، ولهذا قال أبو العالية وقتادة: عَزِيزٌ فِي نِقْمَتِهِ، حَكِيمٌ فِي أَمْرِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: الْعَزِيزُ فِي نَصْرِهِ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ إِذَا شَاءَ، الْحَكِيمُ فِي عُذْرِهِ وَحُجَّتِهِ إِلَى عِبَادِهِ.

1 / 185