123

مختصر تفسير ابن كثير

الناشر

دار القرآن الكريم

رقم الإصدار

السابعة

سنة النشر

١٤٠٢ هجري

مكان النشر

بيروت

تصانيف

التفسير
- ١٩٤ - الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المتقين
قال ابن عباس: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُعْتَمِرًا فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَحَبَسَهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الدُّخُولِ وَالْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، وَصَدُّوهُ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَهُوَ شَهْرٌ حَرَامٌ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى الدُّخُولِ مِنْ قَابِلٍ، فَدَخَلَهَا فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ هو ومن كان مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَقَصَّهُ اللَّهُ مِنْهُمْ فَنَزَلَتْ فِي ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ والحرمات قِصَاصٌ﴾ وعن جابر بن عبد لله قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَغْزُو فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلَّا ان يغزى وتغزوا فإذا حضره أقام حتى ينسلخ (رواه أحمد، قال ابن كثير: إسناده صَحِيحٌ) وَلِهَذَا لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ مُخَيِّمٌ بِالْحُدَيْبِيَةِ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَهُ فِي رِسَالَةٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، بَايَعَ أَصْحَابَهُ وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يُقْتَلْ كَفَّ عَنْ ذَلِكَ وَجَنَحَ إِلَى الْمُسَالِمَةِ وَالْمُصَالِحٍةِ، فَكَانَ مَا كَانَ، وَكَذَلِكَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ (هَوَازِنَ) يَوْمَ حُنَيْنٍ وَتَحَصَّنَ فَلُّهُمْ بِالطَّائِفِ عَدَلَ إِلَيْهَا فَحَاصَرَهَا وَدَخَلَ ذو القعدة وهو محاصر لها بِالْمَنْجَنِيقِ ⦗١٧٢⦘ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهَا إِلَى كَمَالِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ، فَلَمَّا كَثُرَ الْقَتْلُ فِي أَصْحَابِهِ انْصَرَفَ عَنْهَا وَلَمْ تُفْتَحْ، ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ وَاعْتَمَرَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، وَكَانَتْ عُمْرَتُهُ هَذِهِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ أَيْضًا عَامَ ثَمَانٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم﴾ أَمَرَ بِالْعَدْلِ حَتَّى فِي الْمُشْرِكِينَ، كَمَا قَالَ: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾، وقال: ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مثلها﴾.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ أَمْرٌ لَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ، وإخبارٌ بِأَنَّهُ تَعَالَى مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

1 / 171