170

مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

الناشر

دار السلام للنشر والتوزيع

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٦هـ

مكان النشر

الرياض

تصانيف

قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا يَتَمَنَّى الرَّجُلُ مَالَ أَخِيهِ وَلَا امْرَأَتِهِ وَلَا خَادِمِهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مِثْلَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ وذلك في القرآن. وقوله: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) أَيْ مِنْ رِزْقِهِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مِنْ عِبَادَتِهِ، فَهُوَ سُؤَالُ التَّوْفِيقِ لِلْعِبَادَةِ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَأْمُرْ بِالْمَسْأَلَةِ إِلَّا لِيُعْطِيَ. ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: ٣٢]
[٣٣]، ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ [النساء: ٣٣] أَيْ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَعَلْنَا مَوَالِيَ، أَيْ: عُصْبَةً يُعْطُونَ ﴿مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٣٣] الوالدان وَالْأَقْرَبُونَ هُمُ الْمُوَرِّثُونَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ أَيْ: وَرَثَةً مِمَّا تَرَكَ أَيْ: مِنَ الَّذِينَ تركوهم وَيَكُونُ (مَا) بِمَعْنَى: (مِنْ)، ثُمَّ فسر ﴿الْمَوَالِيَ﴾ [مريم: ٥] فقال: الوالدان والأقربون، أي: هم الوالدان والأقربون، فعلى هذا القول: الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ، هُمُ الْوَارِثُونَ، ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٣٣] قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ (عَقَدَتْ) بِلَا أَلْفٍ، أَيْ: عَقَدَتْ لَهُمْ أَيْمَانُكُمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) وَالْمُعَاقَدَةُ: الْمُحَالَفَةُ وَالْمُعَاهَدَةُ، وَالْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ مِنَ الْيَدِ وَالْقَسَمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ الْمُحَالَفَةِ يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ بِيَدِ بَعْضٍ عَلَى الْوَفَاءِ، وَالتَّمَسُّكِ بِالْعَهْدِ. وَمُحَالَفَتُهُمْ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: دمي دمك وَثَأْرِي ثَأْرُكَ وَحَرْبِي حَرْبُكَ وَسِلْمِي سِلْمُكَ وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ وَتَطْلُبُ بِي وَأَطْلُبُ بِكَ وَتَعْقِلُ عَنِّي وَأَعْقِلُ عَنْكَ (فَيَكُونُ لِلْحَلِيفِ السُّدُسُ مِنْ مال الحليف، وكان ذلك فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء: ٣٣] أَيْ: أَعْطُوهُمْ حَظَّهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٧٥] وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ: أَرَادَ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالرِّفْدِ وَلَا ميراث لهم، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ آخَى بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِتِلْكَ الْمُؤَاخَاةِ دُونَ الرَّحِمِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ) نُسِخَتْ، ثُمَّ قَالَ: (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) من النَّصْرُ وَالرِّفَادَةُ وَالنَّصِيحَةُ، وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ فَيُوصِي لَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالتَّبَنِّي وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ ثُمَّ نُسِخَ. ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٣٣]
[قَوْلُهُ تَعَالَى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ] اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. . . .
[٣٤] ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النِّسَاءِ: ٣٤] الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَكَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ وفي امرأته وَذَلِكَ أَنَّهَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ فَلَطَمَهَا، فَانْطَلَقَ أَبُوهَا مَعَهَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: أَفْرَشْتُهُ كَرِيمَتِي فَلَطَمَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " لِتَقْتَصَّ مِنْ زَوْجِهَا " فَانْصَرَفَتْ مَعَ أَبِيهَا لِتَقْتَصَّ مِنْهُ فَجَاءَ جِبْرِيلُ ﵇ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " ارْجِعُوا هَذَا جِبْرِيلُ أَتَانِي بِشَيْءٍ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا، وَالَّذِي أَرَادَ اللَّهُ خَيْرٌ "، وَرَفَعَ الْقِصَاصَ (١) قَوْلُهُ تَعَالَى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) أَيْ: مُسَلَّطُونَ عَلَى تَأْدِيبِهِنَّ، وَالْقَوَّامُ وَالْقَيِّمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْقَوَّامُ أَبْلَغُ وَهُوَ الْقَائِمُ بِالْمَصَالِحِ وَالتَّدْبِيرِ وَالتَّأْدِيبِ، ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٤] يَعْنِي: فَضَّلَ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ بِزِيَادَةِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْوِلَايَةِ، وَقِيلَ: بِالشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٢] وَقِيلَ: بِالْجِهَادِ، وَقِيلَ: بِالْعِبَادَاتِ مِنَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْكِحُ أَرْبَعًا وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ إِلَّا زَوْجٌ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: بِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ، وَقِيلَ: بِالْمِيرَاثِ، وَقِيلَ: بِالدِّيَةِ، وَقِيلَ: بِالنُّبُوَّةِ، ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: ٣٤] يعني: إعطاء المهر والنفقة، قوله تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ﴾ [النساء: ٣٤] أي: مطيعات

(١) روى قريبًا من هذا الخبر الإمام الطبري في تفسيره ٥ / ٣٧، ٣٨.

1 / 178