124

مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

الناشر

دار السلام للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٦هـ

مكان النشر

الرياض

تصانيف

[٧٠] ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٠] يَعْنِي: الْقُرْآنَ وَبَيَانَ نَعْتِ مُحَمَّدٍ ﷺ، ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ [آل عمران: ٧٠] أَنَّ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَذْكُورٌ.
[٧١] ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ [آل عمران: ٧١] تَخْلِطُونَ الْإِسْلَامَ بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَقِيلَ: لِمَ تَخْلِطُونَ الْإِيمَانَ بِعِيسَى ﵇ وَهُوَ الْحَقُّ، بِالْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَهُوَ الباطل. وقيل: لِمَ تخلطون التَّوْرَاةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى بِالْبَاطِلِ الَّذِي حَرَّفْتُمُوهُ وَكَتَبْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ، ﴿وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧١] أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ وَدِينَهُ حَقٌّ.
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي] أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ. . . .
[٧٢] ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ﴾ [آل عمران: ٧٢] أَوَّلَهُ، سُمِّيَ وَجْهًا لِأَنَّهُ أَحْسَنُهُ وَأَوَّلُ مَا يُوَاجِهُ النَّاظِرَ فَيَرَاهُ، ﴿وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢] فَيَشُكُّونَ وَيَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ.
[٧٣] ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] هَذَا مُتَّصِلٌ بِالْأَوَّلِ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَلَا تُؤْمِنُوا أي: ولا تُصَدِّقُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، أي: وافق ملتكم، واللام في (من) صِلَةٌ أَيْ: لَا تُصَدِّقُوا إِلَّا لمن تَبِعَ دِينَكُمُ الْيَهُودِيَّةَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ﴾ [النمل: ٧٢] أَيْ: رِدْفَكُمْ. ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٣] هذا خبر من الله تعالى أَنَّ الْبَيَانَ بَيَانُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فيه فمنهم من قال: هذا كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ كَلَامَيْنِ وَمَا بَعْدَهُ مُتَّصِلٌ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ إِخْبَارٌ عن قول اليهود لِبَعْضٍ، وَمَعْنَاهُ: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ وَلَا تُؤْمِنُوا ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] مِنَ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَالْآيَاتِ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَفَلْقِ الْبَحْرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْكَرَامَاتِ، وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ لِأَنَّكُمْ أَصَحُّ دِينًا مِنْهُمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ، وَقِيلَ: إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ لِسَفَلَتِهِمْ، وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ، أَيْ لِئَلَّا يُؤْتَى أَحَدٌ، وَ(لَا) فِيهِ مُضْمَرَةٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النِّسَاءِ: ١٧٦] أَيْ: لِئَلَّا تَضِلُّوا، يقولون: لا تصدقوهم لئلا يعلمون مِثْلَ مَا عَلِمْتُمْ فَيَكُونُ لَكُمُ الفضل عليهم في العلم، أو لئلا يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ فَيَقُولُوا عَرَفْتُمْ أَنَّ دِينَنَا حَقٌّ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْمَشُ (إِنْ يُؤْتَى) بِكَسْرِ الْأَلِفِ، فَيَكُونُ قَوْلُ الْيَهُودِ تَامًّا عِنْدَ قَوْلِهِ: إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى، يَقُولُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) أَنْ يُؤْتَى (أَنْ) بِمَعْنَى: الْجَحْدِ، أَيْ: مَا يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ، ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] يَعْنِي: إِلَّا أَنْ يُجَادِلَكُمُ الْيَهُودُ بِالْبَاطِلِ فَيَقُولُوا: نَحْنُ أَفْضَلُ مِنْكُمْ، فَقَوْلُهُ ﷿: (عِنْدَ رَبِّكُمْ)، أي: عند فعل ربكم بكم، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَالْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَيَجُوزُ

1 / 132