180

مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

الناشر

دار السلام للنشر والتوزيع

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٦هـ

مكان النشر

الرياض

تصانيف

الرعية أن يسمعوا ويطيعوا، وقيل: المراد أمراء السرايا، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَرَادَ بِأُولِي الْأَمْرِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ﵄، وَقَالَ عَطَاءٌ: هُمُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ [التوبة: ١٠٠] الآية، قَوْلُهُ ﷿: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ﴾ [النساء: ٥٩] أي: اختلفتم، ﴿فِي شَيْءٍ﴾ [النساء: ٥٩] مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ، وَالتَّنَازُعُ: اخْتِلَافُ الْآرَاءِ وَأَصْلُهُ مِنَ النَّزْعِ فَكَأَنَّ المتنازعان يَتَجَاذَبَانِ وَيَتَمَانَعَانِ، ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩] أَيْ: إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَا دَامَ حَيًّا وَبَعْدَ وَفَاتِهِ إِلَى سُنَّتِهِ، والرَّدُّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ وَاجِبٌ إِنْ وُجِدَ فِيهِمَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَسَبِيلُهُ الِاجْتِهَادُ. وَقِيلَ: الرَّدُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالرَّسُولِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ﴾ [النساء: ٥٩] أَيْ: الرَّدُّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، ﴿خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] أي: أحسن مآلا وعاقبة.
[قَوْلُهُ تَعَالَى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا] بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ. . . .
[٦٠] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠] الْآيَةَ قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ وَرَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ خُصُومَةٌ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: نَتَحَاكَمُ إِلَى مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الرَّشْوَةَ وَلَا يَمِيلُ فِي الْحُكْمِ، وَقَالَ الْمُنَافِقُ: نَتَحَاكَمُ إِلَى الْيَهُودِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الرَّشْوَةَ وَيَمِيلُونَ فِي الْحُكْمِ، فَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ يَأْتِيَا كَاهِنًا فِي جُهَيْنَةَ فَيَتَحَاكَمَا إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية، ﴿وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ٦٠]
[٦١] ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ [النساء: ٦١] أَيْ: يُعْرِضُونَ عَنْكَ إِعْرَاضًا.
[٦٢] ﴿فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ﴾ [النساء: ٦٢] هَذَا وَعِيدٌ، أَيْ: فَكَيْفَ يَصْنَعُونَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ، ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [النساء: ٦٢] يَعْنِي: عُقُوبَةَ صُدُودِهِمْ، وَقِيلَ: هِيَ كُلُّ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ جَمِيعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَتَمَّ الْكَلَامُ هَاهُنَا، ثُمَّ عَادَ الْكَلَامُ إِلَى مَا سَبَقَ، يُخْبِرُ عَنْ فِعْلِهِمْ فقال: ﴿ثُمَّ جَاءُوكَ﴾ [النساء: ٦٢] يَعْنِي: يَتَحَاكَمُونَ إِلَى الطَّاغُوتِ، ﴿ثُمَّ جَاءُوكَ﴾ [النساء: ٦٢] أي: يجيئونك يحلفون ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا﴾ [النساء: ٦٢] ما أردنا بالعدل عنه في المحاكمة ﴿إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾ [النساء: ٦٢] قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِلَّا إِحْسَانًا فِي الْقَوْلِ، وَتَوْفِيقًا: صَوَابًا، وَقَالَ ابْنُ كيسان: حقًّا وعدلًا، نظيره: ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى﴾ [التوبة: ١٠٧] وَقِيلَ: هُوَ إِحْسَانُ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقِيلَ: هُوَ تَقْرِيبُ الْأَمْرِ مِنَ الْحَقِّ، لَا الْقَضَاءُ عَلَى أَمْرِ الْحَكَمِ، وَالتَّوْفِيقُ: هُوَ مُوَافَقَةُ الْحَقِّ، وَقِيلَ: هُوَ التَّأْلِيفُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ.
[٦٣] ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [النساء: ٦٣] مِنَ النِّفَاقِ، أَيْ: عَلِمَ أَنَّ مَا فِي قُلُوبِهِمْ

1 / 188