146

مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

الناشر

دار السلام للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٦هـ

مكان النشر

الرياض

تصانيف

نَافِعٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (مِتَّمْ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالضَّمِّ، فَمَنْ ضَمَّهُ فَهُوَ مِنْ مَاتَ يَمُوتُ، كَقَوْلِكَ: مِنْ قَالَ يَقُولُ قُلْتُ: بِضَمِّ الْقَافِ، وَمَنْ كَسَرَهُ فَهُوَ مِنْ مَاتَ يَمَاتُ، كَقَوْلِكَ مِنْ خَافَ يَخَافُ: خِفْتُ، ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٧] فِي الْعَاقِبَةِ، ﴿وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٧] مِنَ الْغَنَائِمِ، قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ (تَجْمَعُونَ) بِالتَّاءِ، لِقَوْلِهِ: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ) وَقَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ (يَجْمَعُونَ) بِالْيَاءِ، يَعْنِي: خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُ النَّاسُ.
[قوله تعالى وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ] . . .
[١٥٨] ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٨] فِي الْعَاقِبَةِ.
[١٥٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٥٩] أَيْ: فَبِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ، وَ(مَا) صِلَةٌ، كَقَوْلِهِ (فَبِمَا نَقْضِهِمْ) ﴿لِنْتَ لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٩] أَيْ: سَهُلَتْ لَهُمْ أَخْلَاقُكَ، وَكَثْرَةُ احتمالك، ولم تسرع إليهم بالغضب فِيمَا كَانَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا﴾ [آل عمران: ١٥٩] يَعْنِي: جَافِيًا سَيِّئَ الْخُلُقِ قَلِيلَ الاحتمال، ﴿غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَظًّا فِي الْقَوْلِ غَلِيظَ الْقَلْبِ فِي الْفِعْلِ، ﴿لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] أي: نفروا وَتَفَرَّقُوا عَنْكَ يُقَالُ: فَضَضْتُهُمُ فَانْفَضُّوا، أَيْ: فَرَّقْتُهُمْ فَتَفَرَّقُوا ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٩] تَجَاوَزْ عَنْهُمْ مَا أَتَوْا يَوْمَ أحد عاله ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٩] حَتَّى أُشَفِّعَكَ فِيهِمْ، ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] أَيِ: اسْتَخْرِجْ آرَاءَهُمْ وَاعْلَمْ مَا عِنْدَهُمْ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: شُرْتُ الدابة، وشروتها، إِذَا اسْتَخْرَجْتُ جَرْيَهَا، وَشُرْتُ الْعَسَلَ وَأَشَرْتُهُ إِذَا أَخَذْتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَاسْتَخْرَجْتُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي لأجله أمر الله نبيه و! سه بِالْمُشَاوَرَةِ مَعَ كَمَالِ عَقْلِهِ وَجَزَالَةِ رَأْيِهِ وَنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ، وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ عَلَى الْخَلْقِ فِيمَا أَحَبُّوا أو كرهوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ خَاصٌّ فِي المعنى، أي: وشاورهم فيما لبس عِنْدَكَ فِيهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عهد، وقال الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي نَاظِرْهُمْ فِي لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَمَكَايِدِ الْحَرْبِ عِنْدَ الْغَزْوِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَقَتَادَةُ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِمُشَاوَرَتِهِمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْطَفُ لَهُمْ عَلَيْهِ وَأَذْهَبُ لِأَضْغَانِهِمْ، فَإِنَّ سَادَاتِ الْعَرَبِ كَانُوا إِذَا لَمْ يُشَاوَرُوا فِي الْأَمْرِ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ ﷿ أَنَّهُ مَا بِهِ إِلَى مُشَاوَرَتِهِمْ حَاجَةٌ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ به من بعده، ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] لَا عَلَى مُشَاوَرَتِهِمْ، أَيْ: قُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَثِقْ بِهِ وَاسْتَعِنْهُ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٩]
[١٦٠] ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٦٠] يعينكم اللَّهُ وَيَمْنَعْكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، ﴿فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٠] مِثْلَ يَوْمِ بَدْرٍ، ﴿وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٠] يَتْرُكْكُمْ فَلَمْ يَنْصُرْكُمْ كَمَا كَانَ بِأُحُدٍ، وَالْخِذْلَانُ: الْقُعُودُ عَنِ النُّصْرَةِ، وَالْإِسْلَامُ لِلْهَلَكَةِ ﴿فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [آل عمران: ١٦٠] أَيْ: مِنْ بَعْدِ خِذْلَانِهِ، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٠] قيل: التوكل ألا تَعْصِيَ اللَّهَ مِنْ أَجْلِ رِزْقِكَ، وقيل: ألا

1 / 154