121

مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

الناشر

دار السلام للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٦هـ

مكان النشر

الرياض

تصانيف

لِأَنَّ قَوْمَهُ إِنَّمَا تَنَصَّرُوا بَعْدَ رفعه لَا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَعَلَى هَذَا لِلتَّوَفِّي تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا: إِنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَافِيًا لَمْ يَنَالُوا مِنْكَ شيئا، من قولهم: توفيت من كذا وكذا وأستوفيه إِذَا أَخَذْتُهُ تَامًّا، وَالْآخَرُ: أَنِّي متسلمك، مِنْ قَوْلِهِمْ تَوَفَّيْتُ مِنْهُ كَذَا، أَيْ: تَسَلَّمْتُهُ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنس: المراد بالتوفي النوم، وَكَانَ عِيسَى قَدْ نَامَ فَرَفَعَهُ اللَّهُ نَائِمًا إِلَى السَّمَاءِ، مَعْنَاهُ إني منيمك وَرَافِعُكَ إِلَيَّ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾ [الأنعام: ٦٠] أي: ينيمكم بالليل، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُرَادُ بِالتَّوَفِّي الْمَوْتُ، وروى عَلِيِّ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ إِنَّ مَعْنَاهُ: أَنِّي مُمِيتُكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ [السَّجْدَةِ: ١١] فَعَلَى هَذَا لَهُ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا مَا قَالَهُ وَهْبٌ: تَوَفَّى اللَّهُ عِيسَى ثَلَاثَ سَاعَاتٍ من النهار ثم أحياه ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ النَّصَارَى يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَفَّاهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ، ثُمَّ أحياه ورفعه إليه، وَالْآخَرُ: مَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا مَعْنَاهُ: أَنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمُتَوَفِّيكَ بعد إنزالك مِنَ السَّمَاءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ٥٥] أَيْ: مُخْرِجُكَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَمُنْجِيكَ مِنْهُمْ ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ٥٥] قَالَ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَالشَّعْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: هُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ صَدَّقُوهُ وَاتَّبَعُوا دِينَهُ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فهم فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ظَاهِرِينَ قَاهِرِينَ بِالْعِزَّةِ وَالْمَنْعَةِ وَالْحُجَّةِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي الْحَوَارِيِّينَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الرُّومِ، وَقِيلَ: أراد بهم النصارى، أي: فَهُمْ فَوْقَ الْيَهُودِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ الْيَهُودَ قَدْ ذَهَبَ مُلْكُهُمْ، وَمُلْكُ النَّصَارَى دَائِمٌ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاتِّبَاعُ بِمَعْنَى الِادِّعَاءِ وَالْمَحَبَّةِ، لَا اتِّبَاعَ الدِّينِ، ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٥] فِي الْآخِرَةِ، ﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [آل عمران: ٥٥] من الدِّينِ وَأَمْرِ عِيسَى.
[٥٦] ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا﴾ [آل عمران: ٥٦] بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْجِزْيَةِ وَالذِّلَّةِ، ﴿وَالْآخِرَةِ﴾ [آل عمران: ٥٦] أَيْ: وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ، ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ٥٦]
[٥٧] ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ [آل عمران: ٥٧] أي: يوفيهم أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ، ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ٥٧] أَيْ: لَا يَرْحَمُ الْكَافِرِينَ وَلَا يثني عليهم بالجميل.
[٥٨] ﴿ذَلِكَ﴾ [آل عمران: ٥٨] أَيْ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ لَكَ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى وَمَرْيَمَ والحواريين ﴿نَتْلُوهُ عَليْكَ﴾ [آل عمران: ٥٨] يعني: نُخْبِرُكَ بِهِ بِتِلَاوَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْكَ، ﴿مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: ٥٨] يَعْنِي الْقُرْآنَ وَالذِّكْرَ ذِي الْحِكْمَةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، أَيِ:

1 / 129