263

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

محقق

سيد إبراهيم

الناشر

دار الحديث

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

مكان النشر

القاهرة - مصر

تصانيف

وَكَانَ يُفِيدُ ذَلِكَ تَقْرِيرُ عَدَمِ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا، وَأَمَّا إِذَا قِيلَ: خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لَا يَخْلُدُونَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ لَهُمْ حَالَيْنِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُنْتَقَضُ عَلَيْكُمْ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِنَّ هَذَا وَارِدٌ فِيهِمْ بِعَيْنِهِ، قِيلَ: قَدِ اقْتَرَنَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] وَلِهَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، عَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءَ بِهَذَا رَفْعًا لِهَذَا التَّوَهُّمِ، وَعَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي أَهْلِ النَّارِ بِالْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ فِيمَا يُرِيدُ بِهِمْ مِنْ عَذَابٍ أَوْ إِخْرَاجٍ مِنْهُ، فَإِنَّ الْأَمْرَ رَاجِعٌ إِلَى مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ عَنْ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، كَمَا عَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ٨٣] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَدْخَلَهُمُ النَّارَ بِحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُمْ سِوَاهَا وَلَهُ حِكْمَةٌ وَعِلْمٌ فِيهِمْ لَا يَبْلُغُهُ الْعِبَادُ، فَإِنِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ وَعِلْمُهُ فِيهِمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ تَقْصُرْ عَنْهُ مَشِيئَتُهُ النَّافِذَةُ وَقُدْرَتُهُ التَّامَّةُ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ خَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ، إِمَّا فِي النَّارِ وَإِمَّا فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ مُدَّةَ الْخُلُودِ بِدَوَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَقَالَ: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٢٨] فَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ هُوَ مُدَّةَ مُقَامِهِمْ فِي الْبَرْزَخِ وَفِي مُدَّةِ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُمْ وَهُمْ فِي النَّارِ: ﴿النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١٢٨] وَهُوَ يُرِيدُ مُدَّةَ لُبْثِهِمْ فِي الْبَرْزَخِ وَفِي الْمَوْقِفِ، فَهَذَا أَمْرٌ قَدْ عَلِمُوهُ وَشَاهَدُوهُ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ حَصَلَتْ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ؟

1 / 278